أكثر الكلمات انتشاراً

إعلان

كابوس المدارس يطارد الأطفال.. حقيبة الاضطرابات النفسية ممتلئة

07:08 م الجمعة 21 سبتمبر 2018

3

كتب- مصطفى عريشة

ترجمة- ياسمين الصاوي- أميرة عبد الرازق

قبل عامين كان الطفل "خالد" صاحب الخمسة أعوام يشاهد الأطفال في حيه الشعبي وهم ذاهبون إلى مدارسهم، أخبره والداه في وقت سابق أن العام المقبل سيدخل المدرسة مثلهم.. تمنى أن يكون معهم سريعًا كلما تذكر سعادتهم بزيهم وحقائبهم الجديدة، لكن هذا لم يدم طويلًا بعد انضمامه لزملائه في الفصل.

مع الوقت سُلب السلام النفسي لـ"خالد" بفعل تعرضه للعنف والتنمر داخل أسوار المدرسة، فوزنه الزائد جعل منه مادة للسخرية بين أقرانه، فبات كل صباح جديد بالنسبة له بداية لعالم يؤذيه نفسيًا وذهنيًا، دون أن يشعر والداه، حتى ظهرت عليه بعض الاضطرابات النفسية وأصبح يعاني من "التأتأة" نتيجة تعرضه للسخرية المستمرة.


تحولت المدارس إلى كابوس مزعج للأهل والأبناء فيكرهها الطفل نتيجة وجود قواعد وعقوبات صارمة وعدم قربه من الأشخاص المحيطين به، سواء معلمين أو زملاء، وبالتالي يشعر الأهل بالضيق والضغط عند رؤية أبنائهم يعانون من أزمة حقيقية عند الاستيقاظ للذهاب إلى المدرسة يوميًا، وفقًا للدكتورة هبة العيسوي، أستاذ الطب النفسي بكلية طب جامعة عين شمس.

تبول لإرادي وتأتأة

تسير مجموعات داخل المدرسة يترأسها شخص سيكوباتي قوي ذو سطوة وتبلد بالمشاعر وتضخم بالذات يصفونه الخبراء المختصين بـ"المتنمر"، والذي يقرر إطلاق السخرية والتهكم على زميل آخر "الضحية" يتسم بالخجل وافتقاد المهارات الاجتماعية والانطواء، وفقًا للعيسوي.

تُصاب "الضحية" بعدة مشكلات صحية، كآلام البطن والقيء والأرق والكوابيس والتبول اللاإرادي والتأتأة، ويرفض الذهاب للمدرسة فيتدهور مستواه الدراسي، نتيحة تعرضه للتنمر وسوء حالته النفسية، في حين تعتقد بعض الأمهات والأطباء أن الأمر مجرد نزلة معوية وما عداها من المشكلات البدنية، إلا أن الأدوية في هذه الحالات لا تؤتي ثمارها، هذا ما ذكرته العيسوي حول الآثار الجانبية التي تلحق بالطفل الذي تعرض للتنمر في المدرسة.

دوائر مغلقة

لا يقتصر الأمر على المشكلات البدنية، بل يصل إلى الآثار النفسية طويلة الأمد، مثل الرهاب الاجتماعي، أي عدم القدرة على التحدث وسط المجموعات أو التحدث بصوت مرتفع، لأن "الضحية" يعود بعقله للمواقف التي تعرض خلالها للتنمر في طفولته، وبالتالي يشعر بالخجل من التعرض لنفس المشكلة، وقد يتحول الضحية بعد سنوات إلى شخصية متنمرة ويتحول الأمر لدوائر مغلقة من التنمر تسبب خلل المجتمع.

فوبيا

قد يُصاب الطفل بفوبيا المدرسة "Didaskaleinophobia"، وتظهر الأعراض من خلال بكاء وصراخ ونوبة قلق حاد وإدعاء المرض للتغيب عن الحضور وحالة فزع كاملة عند التفكير في دخول هذا المكان وجفاف الفم وزيادة ضربات القلب والتعرق الشديد وعدم القدرة على التنفس والغثيان، وفي بعض الأحيان يبدأ البكاء من الليلة السابقة، خاصة الأطفال في عمر 4: 6 سنوات.

تتعدد أسباب إصابة الأطفال في السنوات الأولى بفوبيا المدرسة بين التواجد في بيئة مدرسية غير آمنة أو التعرض للتنمر أو القلق المفرط من عدم رؤية الأم والأشخاص المحببين، أو الانتقال إلى مدرسة جديدة يرفضها الطالب أو الخوف من بعض العقبات في الطريق أو التعرض لموقف سلبي وصادم (مثل طلاق الوالدين أو الوفاة وغيرها) من قبل.

ربما يعاني الأطفال في المرحلة المتوسطة (13: 14 سنة) من فوبيا المدرسة أيضًا، ففي هذه الفترة تسبب المدرسة أحيانًا في وصول مشاعر سلبية للطفل، ويبدأ الطلاب في التعامل مع صعوبة المناهج المختلفة كالرياضيات والعلوم، وفي الوقت نفسه تبدأ التغيرات المرتبطة بمرحلة المراهقة، ويصعب ضبط الهرمونات في هذا الوقت.

الاكتئاب وتعاطي المخدرات

وفقًا لدراسة من جامعة مونتريال الكندية، أُجريت على 4000 طالب، فإن الأطفال الذين يشاهدون أعمال العنف والتنمر في المدرسة هم الأكثر عرضة للإصابة بمشكلات نفسية، حيث وجد الباحثون أن الطلاب في سن الثالثة عشر عندما رأوا أمام أعينهم مثل هذه المشاهد السلبية، صاروا أكثر عرضة للإصابة بمشكلات نفسية عند بلوغهم سن الخامسة عشر، كما لو كانوا تعرضوا شخصيًا للتنمر والعنف على يد الآخرين، بحسب موقع "Medical X Press".

وخلصت النتائج إلى أن الأطفال الذين يشاهدون أعمال العنف يصابون ببعض المشكلات الاجتماعية والنفسية مثل القلق الاجتماعي والاكتئاب والاضطراب العاطفي وتعاطي المخدرات.

وفرقت الأبحاث بين تأثير التعرض لأنواع مختلفة من العنف، فمشاهدة أعمال العنف الجسدية الشديدة أو التهديد بالسلاح أو السرقة أو التخريب، ينتهي بتعاطي هؤلاء المراهقين للمخدرات غالبا، أما مشاهدة أعمال العنف الطفيفة مثل التهديدات والشتائم، فيصيب الطفل باضطرابات القلق والاكتئاب وتراجع مشاركته بالمدرسة.

الطفل يأمن ما يألفه

أوضحت العيسوي، أن الأم عليها أخذ الطفل في رحلة إلى المدرسة قبل بدء العام الدراسي، فعلى سبيل المثال، عندما تتوجه الأم إلى دفع المصاريف أو شراء الزي المدرسي وغيره يجب أن تترك الصغير يلعب في حديقة المدرسة لكسر حاجز الرهبة داخله، والتحدث مع زملاء الفصل في الهاتف خلال فترة الإجازة الصيفية، فالطفل يأمن ما يألفه، وبالتالي لا يشعر الأطفال بخوف وضيق من الذهاب إلى المدرسة، مشددة على ضرورة اصطحاب الأبوين لأطفالهم في اليوم الأول دون الانتظار على الأبواب.

لفتت العيسوي انتباه المعلمين إلى أهمية عدم البدء في المناهج الدراسية قبل خلق مناخ تفاعلي بين الأطفال وزملائهم، وفتح باب الحديث عن كيفية قضائهم الإجازة الصيفية، مؤكدة أن الطفل عندما يتحدث بصوت عالي ويستمع إلى نفسه، يزداد لديه تقدير الذات، ويشعر بقيمة المدرسة، كما يتفاعل مع حكايات زملائه.

على جانب آخر، يُفضل أن تعمل المدارس على تنظيم رحلات ترفيهية في بداية العام الدراسي، لزيادة المهارات الاجتماعية والتفاعل بين المعلمين والزملاء، والتخلص من مشاعر الرهبة عند الصغار، وبالتالي تزداد قدرتهم على التفاعل والاستيعاب.

أدوات وحلوى

يساعد اختيار الطفل حقيبته وحاملة الأقلام الخاصة به والأدوات المدرسية الأخرى على تشجيعه على الذهاب إلى المدرسة، في حين يخطئ بعض الآباء والأمهات عند إجبار الصغير على بعض الأدوات أو التحدث الدائم عن الأمور المادية في هذا الوقت.

لفتت العيسوي الانتباه إلى ضرورة شراء بعض الحلوى للطفل لتوزيعها على زملائه لخلق مناخ من الألفة بين الأطفال، ما يجعل الأطفال يشجعون بعضهم على الذهاب إلى المدرسة.

محاور رئيسية للعلاج

هناك 3 محاور رئيسية لعلاج المشكلات النفسية التي تواجه الأطفال في المدرسة، كما بينت أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، وتتلخص فيما يلي:

- التعامل المدرسي

يراعى إشراك التلاميذ في رياضات مختلفة تعتمد على التعاون بينهم، وفض التكتلات من خلال نقل التلاميذ إلى فصول مختلفة كل سنة دراسية، والاهتمام بالمسرح المدرسي لتخفيف الضغوط على الأطفال في المراحل المختلفة، وتخصيص حصة يتولى مدرس محبوب إدارتها لتفريغ الطاقات السلبية عند الأطفال في أنشطة مثل التقليد، وبالتالي يحدث إشراك للجميع في الضحك ويزيل فكرة التنمر فيما بينهم.

- التعامل النفسي

إذا تدهورت حالة الطفل ينصح بزيارة الطبيب النفسي لإجراء الفحوصات وعمل بعض الاختبارات النفسية، خاصة إذا كان الأمر يؤثر على شخصيته وثقته في نفسه، حيث يعمل المختص على استخدام اللعب أو الفن وهو طريقة علاجية سلوكية.

- التعامل الأسري

الابتعاد عن الكلمات السلبية وترك مساحة للطفل للتعبير عن مشكلته من أفضل الوسائل للدعم، إلى جانب تحفيز الطفل على التعامل مع ما يواجهه بشكل إيجابي، أما وصل الأمر إلى مشكلة نفسية تخلف ورائها قيء وآلام البطن، فلا بد من التعاطف معه وإتاحة الفرصة لعدم الذهاب إلى المدرسة، لكن دون إعطائه الحرية الكاملة لعمل ذلك.

أدوية وعلاج نفسي

يحتاج الطفل المصاب بفوبيا المدرسة إلى تناول بعض الأدوية لتخفيف أعراض القلق الحاد تحت إشراف الطبيب النفسي، فلا يوجد علاجًا مخصصًا للفوبيا، فضلًا عن اتباع بعض الإرشادات على يد الطبيب المختص، وتلقي العلاج السلوكي المعرفي لتغيير أفكار الطفل السلبية وتنمية مشاعره بشكل سليم.

وعلى الآباء والأمهات تقديم الدعم للطفل في هذه الفترة، واكتشاف السبب الذي يجعله خائفًا من الذهاب إلى المدرسة، والتحدث مع المعلمين حول طبيعة حالته، إلى جانب تعزيز الطفل بالمشاعر والأفكار الإيجابية، كما تعد الموسيقى والتنفس العميق والاسترخاء من الأدوات المساعدة في تحسين هذه الحالة.

فيديو قد يعجبك:

صحتك النفسية والجنسية