في مصر.. وسائل التواصل الاجتماعي ملاذ للمصابين بالاكتئاب
BBC
من المألوف أن نسمع أصوات الاتهام والإدانة لوسائل التواصل الاجتماعي بالمسؤولية عن الإصابة بالاكتئاب، أو على الأقل أعراض شبيهة به. لكن مصر شهدت في الآونة الأخيرة نمطا لاستخدام هذه المنصات ربما يناقض تلك الرؤية.
يعاني 25 في المئة من المصريين من اضطرابات نفسية، يأتي في مقدمتها الاكتئاب، وفقاً لإحصاءات وزارة الصحة.
لكن ارتفاع تكلفة العلاج ونظرة المجتمع السلبية التي تصاحب المرض النفسي في هذا المجتمع المحافظ، دفعت الآلاف للجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن معاناتهم والبحث عن الدعم النفسي.
ففي السنوات الأخيرة، ظهرت عشرات المجموعات والصفحات، عبر موقعي "فيسبوك" و"تويتر"، التي تسعى لتوفير المساندة وإسداء النصح لمرضى الاكتئاب عبر العالم الافتراضي.
"معاناة خفية"
ظلت معاناة رضوى علي (27 عاما) خفية ولم يعرف بها من يحيطون بها إلا منذ عامين فقط، وذلك عندما نشرت تجربتها عبر موقع فيسبوك، حيث علق على قصتها عشرات المستخدمين، منهم من واجه معاناة شبيهة.
وتقول رضوى إن المجتمع المصري "محافظ بطبعه ولا سيما في الصعيد، حيث ينعت المريض النفسي بالجنون".
"قد تصل حدة الأمر إلى إخفاء المريض عن أعين العامة أو إنكار إصابته بأي مرض. لا يتفهم العديد من الناس أعراض الاكتئاب ويرونه ضعف إيمان، والحل بنظرهم يكمن في المزيد من الصلاة والتدين بقصد الشفاء".
ولم يقتصر لجوء من يعانون من الاكتئاب على موقعي فيسبوك وتويتر، إذ لجأ بعضهم إلى تطبيق إنستغرام للصور، وذلك لجعل متابعيهم على علم واطلاع بمراحل رحلة العلاج من الاكتئاب.
من هؤلاء فادي الجاولي (25 عاما) الذي يمارس مهنة التصوير ويتلقى العلاج من الاكتئاب منذ نحو سنة.
ورغم أنه لا يتحدث صراحة عن معاناته، إلا أنه اعتاد نشر صور عبر إنستغرام التقطها لنفسه، موثقا من خلالها ما يمر به من حالات وتقلبات مزاجية.
ويقول الجاولي إن الصور ساعدته كثيرا "فالتعليقات الإيجابية مفيدة للغاية، حتى وإن لم تغن عن العلاج الطبي".
"إحكِ عن الاكتئاب"
ولم يكن المصابون بالاكتئاب وحدهم الذين استعانوا بوسائل التواصل الاجتماعي. فقد سعى كثيرون من الأطباء النفسيين بدورهم لمد يد العون عبر هذه المنصات لمن يعانون من الاكتئاب ولذويهم.
ففي عام 2017، وعقب حادث انتحار شهير في مصر كان ضحيته شاب مصاب بالاكتئاب، أطلق نائب مدير مستشفى العباسية للصحة النفسية، الطبيب سامح حجاج، هاشتاغا بعنوان "احكي_عن_الاكتئاب"، بالاشتراك مع مجموعة من الأطباء النفسيين.
وفي غضون بضعة أشهر، انتشر هذا الهاشتاغ إلى جانب هاشتاغ آخر عنوانه "الصحة_النفسية_مش_رفاهية" عبر موقعي فيسبوك وتويتر.
وقد تفاعل مع الهاشتاغين آلاف الأشخاص الذين بدأوا في سرد قصصهم، وتجاربهم مع المرض والعلاج.
وعبر الهاشتاغين كذلك، يشارك العديد من الأطباء النفسيين في تقديم المشورة للمرضى وتشجيعهم على طلب العلاج لدى المتخصصين وتوعيتهم أيضا بأسباب الاكتئاب وأعراضه وكيفية تعامل المحيطين بالمريض معه.
"مش لوحدك"
وفي أبريل/ نيسان 2017، أطلق مهندس يُدعى إسلام سامي وطبيبة نفسية تُدعى ماريا عبد المسيح مبادرة بعنوان "مش لوحدك" لدعم المصابين بالاكتئاب.
وتضم المبادرة فريق عمل كبيرا للإشراف على صفحات خاصة بالمبادرة على شتى وسائل التواصل الاجتماعي، من ضمنها مجموعة بموقع فيسبوك بها أكثر من 250 ألف عضو.
وتتدفق على صفحات "مش لوحدك" عشرات المنشورات التي يسعى أصحابها لتلقي الدعم النفسي، ويتحدث أغلب هذه المنشورات، وفقاً لمديري المبادرة، عن الاكتئاب وأعراضه.
وتتمثل صور الدعم التي تقدمها المجموعة في نشر المشاركات مع المحافظة على سرّيّة بيانات أصحابها، وتحديد إذا ما كانت في حاجة إلى تدخُّل طبّي لتحويلها إلى فريق من الأطباء النفسيين المتطوعين بدون أجر للرد على الأعضاء.
ويقول القائمون على المبادرة إن أهم ما تقدمه هو "البيئة الآمنة وحرية التعبير ومنع كل أشكال التنمّر والسخرية من مشاكل الآخرين".
"سلاح ذو حدين"
لكن تبقى وسائل التواصل الاجتماعي سلاحا ذا حدين كما يرى البعض.
إذ يؤكد فادي الجاولي أن التعليقات الساخرة أو غير المشجعة قد تسيء للمريض أو تدفعه لمزيد من الابتعاد عن المشاركة والبوح بما يمر به.
ويعترض الطبيب سامح حجاج على فكرة لجوء بعض من يعانون من الاكتئاب إلى العلاج من خلال وصفات دواء مقدمة عبر الانترنت.
ويقول حجاج إن "وسائل التواصل الاجتماعي منصات هامة للغاية في تلقي الدعم والمشاركة، لكنها ليست بديلاً، على الإطلاق، عن التفاعل الحقيقي مع الطبيب الذي يتبع منهجاً علمياً على أرض الواقع لعلاج الاكتئاب".
ولنفس السبب، يؤكد القائمون على مجموعة "مش لوحدك" أن الحل الأمثل هو "التشخيص وزيارة الطبيب النفسيّ واتباع جلسات العلاج والدواء المناسب حسب الحالة وتقدمها".
فيديو قد يعجبك: