القاهرة ثاني أكثر المدن تلوثا.. قاتل خفي يسكن الهواء
كتبت- ياسمين الصاوي
يحمل الهواء الملوث ملايين ذرات الأتربة والمواد السامة العالقة، التي تدخل إلى الجسم مسببة مشكلات صحية خطيرة تصل إلى الوفاة، ولا يمكن الاختباء في المنزل بعيداً عنه، حيث يتسرب إلى الغرف، ويلتصق الغبار الملوث على الأسطح داخل المنزل لينقل أمراض مزمنة ومشكلات صحية قد يصعب علاجها.
ويصل الهواء الملوث إلى المناطق الريفية أيضاً، حيث لم يعد مقتصرا على المدن والمناطق المزدحمة، في حين أشار العلماء إلى عدم وجود مستويات آمنة من التعرض لهذا الهواء القاتل.
السرطان وفشل القلب والسكري
كشفت دراسة حديثة، نشرتها مجلة "Investigative Medicine"، أن المستويات العالية من ملوثات الهواء، وتحديداً الجسيمات المعلقة (PM2.5) والأوزون يمكن أن تزيد خطر الإصابة بسرطان الفم.
ففي عام 2012-2013، فحص الباحثون سجلات الصحة لحوالي 482.659 رجل بالغ 40 عاما وكبار السن الذين تلقوا خدمات الصحة الوقائية، وقدموا معلومات حول التدخين أو مضغ التبغ، وربطوا بين الإصابة بسرطان الفم والتعرض لملوثات الهواء، وتم تشخيص 1617 حالة إصابة بسرطان الفم بين الرجال، كما يلعب التدخين دوراً في ذلك،وتشمل ملوثات الهواء: أحادي أكسيد الكربون وثنائي أكسيد الكبريت والأوزون وأحادي أكسيد النيتروجين وغيرها.
وحذرت دراسة نشرتها مجلة "Circulation"، وشملت 4000 شخص من احتمالية تسبب تلوث الهواء في حدوث مشكلات صحية مثل فشل القلب.
ووجد العلماء أن الذين يعيشون بالقرب من الشوارع المزدحمة يمتلكون قلبًا أكبر من الذين يعيشون في المناطق الأقل تلوثا، بينما أظهرت اختبارات الدم وجود علاقة واضحة بين الأشخاص الذين يعيشون في شوارع أكثر ازدحاما وزيادة معدلات ثاني أكسيد النيتروجين الضار (NO2) وجسيمات الهواء الصغيرة الملوثة (PM2.5) في أجسادهم.
واستخدم الباحثون تصوير الرنين المغناطيسي للقلب لاختبار وظائف الأعضاء والهيكل، وتبين أن التعرض لمستويات عالية من التلوث يرتبط بخطر زيادة حجم البطين الأيمن والأيسر على حد سواء.
وقال ناي أونج، الأستاذ بجامعة كوين ماري في لندن وقائد فريق البحث: "وجدنا تغيرات ملحوظة في القلب، حتى مع نقص مستويات التعرض للهواء الملوث"، مشيرًا إلى ضرورة انتباه الأشخاص إلى صحتهم العامة، خاصة أن التلوث يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
وتؤكد الدراسة أن التلوث يؤثر على الجميع، سواء من يعيش في المدن المزدحمة أو المناطق الريفية، فلا يوجد أي معدل أمان من تلوث الهواء.
وكشفت دراسة جديدة نُشرت نتائجها في مجلة «The Lancet Planetary Health»، أن هناك رابطا قويا بين السكري ومستويات التلوث، حيث تابع الباحثون بعض المشاركين بالدراسة لمدة 8 أعوام ونصف، ممن ليس لديهم أي تاريخ سابق مع مرض السكري.
واعتمادا على نتائج التحاليل، تبين أن تلوث الهواء ساهم في إصابة نحو 3.2 مليون حالة بمرض السكري، وقال الباحث الرئيس للدراسة زياد العلي: "أظهر بحثنا رابطا كبيرا بين تلوث الهواء والسكري بشكل عام، ووجدنا أن هناك خطر كبير للإصابة به حتى في مستويات تلوث الهواء المنخفضة".
اقرأ أيضاً:دراسة: عربات الأطفال تُعرض الرُضع للهواء الملوث بالمعادن السامة
التلوث يغير بنية المخ
أثبتت دراسة أمريكية صينية، أجريت لمدة أربع سنوات، أن التعرض للهواء الملوث يمكن أن يرتبط بنقص الذكاء المعرفي، خاصة مع التقدم في العمر، بحسب شبكة بي بي سي.
وتبين أن 20000 شخص في الصين قد تأثرت قدراتهم الرياضية واللغوية بسبب تلوث الهواء، حيث يصف العلماء الهواء الملوث بـ"القاتل الخفي"، لمساهمته في زيادة مخاطر الإصابة ببعض الأمراض مثل ألزهايمر والخرف، بالإضافة إلى تأثيره على كيمياء المخ، فالسموم غير المرئية في الهواء تدخل مباشرة إلى الدماغ.
واكتشف بحث آخر أجراه معهد برشلونة للصحة العالمية في أسبانيا ومركز إراسموس الطبي بجامعة روتردام في هولندا، أن التعرض لتلوث الهواء أثناء الحمل يمكن أن يغير بنية مخ الجنين بصورة ضارة، وأن تلك الأمور الشاذة بالمخ يمكن أن تضعف التركيز والوظيفة المعرفية عند الطفل في سن المدرسة.
واستخدم الباحثون بيانات 783 طفل ولدوا في الفترة بين عامي 2002 حتى 2006، وتم قياس مستويات تلوث الهواء الذي شمل الجسيمات الدقيقة والخشنة وثاني أوكسيد النيتروجين، وتم إجراء فحوصات التصوير العصبي البنيوي والوظائف الإدراكية عند وصول الأطفال سن 6-10 سنوات.
وكشف تحليل البيانات والفحوصات أن الأطفال الذين تعرضوا لمستويات مرتفعة من الجسيمات أثناء الحياة الجنينية لديهم قشرة أرق في العديد من مناطق المخ، وأن التعرض للجسيمات الدقيقة أثناء فترة الحمل مرتبط بتغير بنية القشرة الدماغية في مخ الطفل.
وأضافت الدراسة أن هذا الضعف المعرفي في مراحل السن المبكرة يمكن أن يسبب عواقب على المدى البعيد، وعلى الرغم من أن هناك مستويات من التلوث تعد آمنة، إلا أن 0.5% من النساء الحوامل اللاتي تعرضن لهذه المستويات لم يكن الأمر آمنًا لديهن.
وذكرت مونيكا جوكسينز، الباحث الرئيس بالدراسة، أنه لا يمكن ضمان أمان مستويات التلوث الموجودة في الهواء، مشيرة إلى أن التلف الذي يحدث للمخ الذي ينمو يمكن أن يؤدي إلى مشكلات بالصحة العقلية مثل السلوك الإدماني، واضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه.
قد يهمك ايضاً:كيف يؤثر مكيف الهواء على الجهاز التنفسي؟
للحوامل.. فلتر هواء منزلك يساعد على نمو الجنين
إحصائيات وأرقام
ونشرت منظمة الصحة العالمية، في مايو من العام الجاري، تقريرًا يؤكد أن حوالي 7 مليون شخص يموتون كل عام بسبب التعرض للهواء الملوث، حيث راح 4.2 مليون ضحية في عام 2016 نتيجة استنشاق هواء ملوث خارج المنزل، بينما وصلت حالات الوفاة الناتجة عن تلوث الهواء المنزلي من الطهي باستخدام الوقود والتقنيات الملوثة ما يقدر بنحو 3.8 مليون شخص.
واحتلت القاهرة المركز الثاني في ترتيب المدن الأكثر تعرضًا لتلوث الهواء في الفترة من 2011 إلى 2015، بعد نيو دلهي في الهند، ثم تلاها دكا بنجلاديش، كلكتا الهند، مومباي الهند، بكين الصين، شنغهاي الصين، إسطنبول تركيا، مكسيكو سيتي المكسيك، ساو باولو البرازيل، بوينس أيريس الأرجنتين.
الفئات الأكثر تضررا
ويتعرض بعض الأشخاص إلى مشكلات صحية أكثر من غيرهم، مثل مرضى الربو ومشكلات الجهاز التنفسي والقلب والأطفال ومرضى السكري وكبار السن والحوامل وممارسي التمارين الرياضية في الهواء، وفقاً لموقع "health line".
إجراءات يجب اتباعها لتقليل الضرر
هناك بعض الإجراءات التي يجب على الشخص اتباعها لحماية صحته وأفراد عائلته، من بينها ما يلي:
-شراء منقي هواء منزلي
-تجنب استخدام المعطرات الجوية والشموع
-الحفاظ على نظافة فلتر الهواء في التكييف والمدفأة
-كنس المنزل باستمرار
-غسل ألعاب الفرو للتخلص من الغبار الملتصق
-فتح النوافذ لتدوير الهواء بالمنزل في الأيام التي يصبح الهواء فيها جيدا
فيديو قد يعجبك: