بي كي يو.. "الكونسلتو" يرصد معاناة مرضى التمثيل الغذائي
تحقيق - صابر نجاح:
تصوير - زهوة محسن:
في الشهر السادس من عمرها، لاحظت منال أحمد أن نجلتها "رحيل" تعاني من قصور في القدرات العقلية والحركية، فذهبت بها إلى العديد من الأطباء، الذين اتفقوا على نفس التشخيص "بنتك عندها ضمور في المخ أو كهرباء زيادة".
وبعد مرور 4 أعوام، استجابت منال لطلب أحد الأطباء، وتوجهت بطفلتها إلى مستشفى أبو الريش، لإخضاعها لفحص، كان غريبًا على مسامعها آنذاك، رغم عملها كفنية معامل وتحاليل لمستشفى البدرشين، يدعى PKU.
وكانت لنتيجة التحليل وقع الصدمة على نفس منال، حيث تبين لها أن طفلتها مصابة بمرضٍ نادر يعرف باسم بـ"الفينيل كيتنوريا".
ما هو الفينيل كيتنوريا؟
قال الدكتورعبد الله محمد، مدرس مساعد الوراثة البشرية بكلية طب جامعة عين شمس، إن الفينيل كيتنوريا أو بِيلة الفينيل كيتون، هو مرض وراثي، ينتج عن وجود خلل في الجينات المسئولة عن تكوين الإنزيم اللازم لتحويل الحمض الأميني "الفينيل آلانين" -وهو بروتين متوفر في بعض الأطعمة- إلى حمض أميني آخر يسمى بـ"التايروسين"، مما يؤدي إلى تراكم الحمض الأول على هيئة سموم في الدم، تسبب مجموعة من الأعراض المزعجة، تظهر على هيئة تشنجات وتأخر في الحركة وإعاقات ذهنية واضطرابات نفسية.
وأضاف محمد أن وزارة الصحة والسكان بدأت في إجراء مسح وراثي شامل لحديثي الولادة في جميع دور الرعاية الصحية على مستوى الجمهورية، لاكتشاف الأطفال المصابين بهذا المرض، من خلال أخذ عينة دم من كعب الرضيع، لفحصها في المعامل المركزية.
وأكد خبير الوراثة البشرية أن مرضى الفينيل كيتنوريا –البالغ عددهم في مصر حوالي 10 آلاف حالة تقريبًا، بحسب تقديرات المركز القومي للبحوث- ممنوعون من تناول الأطعمة الغنية بالبروتين الحيواني، مثل اللحوم والأسماك والبيض والدواجن ومنتجات الألبان، مشيرًا إلى أن وزارة الصحة خصصت لهم حليب ودقيق خاليين منه.
وابتداءً من عمر عام، يحتاج مرضى الفينيل كيتنوريا إلى عمل فحص PKU بشكل دوري، لقياس مستويات حمض الفينيل كيتنوريا بالدم، بحسب ندى حماد، مدرس الورثة البشرية بكلية طب جامعة عين شمس.
ورغم توافر هذا التحليل في جميع الوحدات الصحية، إلا أن منال عجزت عن توفيره لطفلتها "معدل ذكاء رحيل 35 درجة، وده حرمها من التأمين الصحي ودخول مدارس الدمج والحصول على تطعيمات سن الست سنوات".
حكايات أخرى من دفتر الفينيل كيتنوريا
نورين.. عروس الإسكندرية تحت وطأة المرض
225 كيلو متر من الإسكندرية للقاهرة، تمضيها سارة أحمد في الدعاء أن تكون نسبة الفينيل كيتنوريا لدى طفلتها "نورين"، صاحبة العامين ونصف، متوازنة "بنيجي مستشفى الدمرداش مرتين في الشهر، عشان نعمل تحليل PKU، ولو النسبة المرتفعة، بنضطر نحلل كل أسبوعين".
طول المسافة من مسقط رأسها للعاصمة، لم يكن العقبة الوحيدة التي كانت تواجه سارة، بل عدم توافر كيماويات التحليل بمستشفى الدمرداش، كان يكبدها مصاريف أخرى، بالإضافة إلى تكلفة الاختبار المقدرة بـ150 جنيه "في الحالة دي، كنا بنضطر نحلل في المعامل المركزية، وبندفع قيمة التحليل، ده غير فلوس المندوب اللي بياخد العينة وبيجبلنا النتيجة".
ومن آنٍ لآخر، تجد سارة نفسها واقعة في مشكلة، السبيل الوحيد لحلها هو السفر إلى مدينة الألف مأذنة مرة أخرى "أوقات كتير مش بنلاقي اللبن منزوع البروتين عندنا في إسكندرية، فبضطر أجي القاهرة بجواب صرف، عشان أخد الكمية المخصصة لنورين".
نورهان.. من رحم المعاناة يولد الأمل
استطاعت جيهان مجدي أن تُخرج ضحايا الفينيل كيتنوريا -وعلى رأسهم ابنتها "نورهان"- من عنق الزجاجة، حيث نجحت في استيراد أطعمتهم المنقوصة في مصر من الخارج، وتوفيرها في منفذ بيع، أطلقت عليه اسم "جيجي"، ولكن المؤسف أن هذا المشروع لم يستمر طويلًا "سعر الأكل كان غالي جدًا، ده غير إننا كنا بندفع عليه جمارك".
ومع ذلك، لم تعطِ جيهان لليأس فرصة أن يتملّك منها، وبدأت في البحث عن الحل، إلا أن لمعت فكرة في ذهنها "اقترحت على أحد ملاك مصانع الأغذية الموجودة في مدينة 6 أكتوبر، بإنتاج أطعمة مدعومة لمرضى التمثيل الغذائي، ورحب جدًا بالمشروع ووافق عليه وقدرنا ناخد اعتماد من وزارة الصحة".
وعبر موقع التواصل الاجتماعي "واتس آب"، تمكنت والدة نورهان من التواصل مع أمهات الأطفال المصابين بهذا المرض، لتوجيهن بالطريقة الصحية لطهي وجباتهم وكيفية حساب وحدات البروتين التي تختلف من مريض لآخر.
البطاقة الذكية هي الحل
وعند استعراض ما سبق على الدكتورة ناهد عبد الخالق، لم تنفِ مسئولة الإرشاد الوراثي بالإدارة العامة للحد من الإعاقة بوزارة الصحة والسكان هذه التحديات، موضحةً أن السبب في عدم انتظام صرف الألبان والدقيق من وحدات الرعاية الصحية الفترة الأخيرة، يرجع لتفشي فيروس كورونا المستجد، والقيود التي فرضها على حركة الملاحة الجوية، وهو ما تسبب في صعوبة استيرادها من الخارج.
وأشارت عبد الخالق إلى أن الإدارة العامة للحد من الإعاقة تسير بخطى ثابتة نحو إصدار بطاقة ذكية للأمهات، تشبه البطاقة التموينية، تحمل اسم "سلة التمثيل الغذائي"، لكي يتمكنّ من صرف الكمية الكافية من الألبان والدقيق وبعض الأطعمة الأخرى، مثل المكرونة والأرز، لافتةً إلى أن وزارة الصحة خصصت جزءًا من ميزانية العام الجاري، للانتهاء من طرحها قريبًا، وقامت بحصر أعداد الأطفال المصابين بالفينيل كيتنوريا، لتحديد عدد البطاقات وتوفير ما يكفيهم من الطعام.
فيديو قد يعجبك: