أكثر الكلمات انتشاراً

إعلان

336 ساعة خطر.. "الكونسلتو" مع أبطال المستشفى الميداني (قصة مصورة)

02:11 م الخميس 23 يوليه 2020

كتب وتصوير- أحمد محمود جمعة:

داخل ساحة مستشفى عين شمس الجامعى، ممر طويل يمتد لقرابة 50 مترًا، بعده تبدأ حياة جديدة ليست كخارجه، تغير المبنى المعتاد تواجد المرضى فيه، أصبح هناك مستشفى ميدانيًا، به ارتضى أصحابه العزلة، فلا مفر لطبيب، ممرض، أو عامل في مستشفى من التواجد على الخط الأول لمواجهة فيروس كورونا المستجد.

في مستشفى العزل، الخروج ممنوع حتى انتهاء المهمة، تنغلق المساحة على المتواجدين فيها، تصير حصنًا والطاقم الطبي حراسة، لمن في الخارج هي أرض خوف، ولهم هي طوق إنقاذ في ساحة معركة. معركة تدور جولاتها بفريق جديد كل 14 يومًا، 336 ساعة تتجدد على مدار خمسة أشهر، لم يتوقف فيها الركض، أوراق تحاليل تدخل وأخرى تخرج، تتبدل الوجوه لكنها تتخفى خلف قناع وبدلة واقية تلتصق بالجسد لأكثر من 12 ساعة، للمرة الأولى لا تكون الأقنعة مكروه، فيما يُصبح أخذ قسطًا من الراحة أمنية صعبة المنال.

رحلة تقضيها الأطقم الطبيعة في "وردية العزل" هي الأطول في مسيرتهم المهنية على الإطلاق.

"الكونسلتو" عايش ساعات من العزلة داخل المستشفى الميداني لعين شمس، رافق الأطباء والممرضون والمرضى في ساعات العزلة المؤقتة.

  • أطول وردية عمل

لم يعد صوت منبه هاتف آمال فهمي وسيلة للاستيقاظ فقط، أصبح ميعاد السادسة صباحًا لمسؤول مكافحة العدوى بالمستشفى، دليلاً على أن يومًا جديدًا قد بدأ، ففي تلك البقعة الصغيرة التي تبلغ مساحتها نحو٤٥٠٠ مترًا لا فرق بين الليل والنهار، ولا تمييز بين طبيب وممرض أو فني، الكل في الهدف سواء.

تنقسم المستشفى الميداني إلى خيمتين؛ الصغرى (A) Hall – متسع لـ27 سريرًا، (B) Hall التي تسع 28 سريرًا، الخيمة الكبرى بها قاعات C. D. E. F. G والتي تسع كل منها عددًا يتراوح بين 20 و25 سريرًا، أما القاعة (H) بها العناية المركزة والتي تسع 10 أسرة.

مع بداية أزمة "كورونا" اقترح الدكتور محمود المتيني، رئيس جامعة عين شمس، إقامة مستشفى ميدانيًا، وبالفعل تم استلام المساحة كاملة المرافق من الإدارة الهندسية للقوات المسلحة كاملة المرافق – كما ساهمت منظمات المجتمع المدني في توفير الأَسِرَّة والأدوية والمطلوبة كصندوق تحيا مصر، كذلك قدمت بعض الشركات التجهيزات المكتبية.

داخل المستشفى الميداني تبدأ الرحلة من الوقاية وهو الدور الذي تقوم به آمال فهمي على أكمل وجه، ورغم أن لديها خبرة طويلة تصل إلى 7 سنوات بقسم أمراض وجراحات القلب بمستشفى عين شمس، و5 سنوات بمجال مكافحة العدوى إلا أنها تعتبر ما يجري في العزل حدثًا جديدًا، وأن هناك غاية عظمى "أهم شيء هنا هو الحفاظ على المرضى والطاقم الطبي والإداري والعمال".

التعامل مع الملابس الواقية مهمة غاية في الحساسية، يتم الأمر من خلال غرفتين رئيسيتين، واحدة لارتداء الملابس وأخرى لخلعها. تضيف آمال: إذا احتجنا لأي فرد من الصيانة أو الخدمات الأخرى فإن هذا الشخص يتم تعقيمها بالطريقة المتعارف عليها.

طريقة (6- STEPS) أي طريقة النقاط الست، هي المتبعة لإرتداء وخلع الملابس الوقائية مثل القفازين و"الأفارول" وما في القدم والرأس وعلى الوجه. على مدار 12 ساعة متواصلة يلتزم الجميع بعدم خلع الملابس الوقائية نهائيًا كما تؤكد مسؤول مكافحة العدوى بالمستشفى.

حين هاجم "كورونا" صدر الحاجة تهاني محمد شعرت أن الأمر مجرد تبعات للحساسية التي تعاني منها، غير أن إلحاح ابنتها التي تعمل بمستشفى عين شمس التخصصي بعمل المسحة لها ولزوجها ساعدت من إتمام شفائها "كل حاجة هنا مجاني وعايزة أشكر الممرضين اللي مش سايبنا.. ربنا يجازيهم كل خير مبيناموش عشان راحتنا".

يتكون الهيكل التنظيمي للمكان من مدير المستشفى، الدكتور أسامة أشرف، أستاذ الباطنة والجهاز الهضمي، ومدير طبي وهو مدرس باطنة حاصل على دكتوراه في أمراض الباطنة، يساعده مجموعة من الأطباء، وهم عبارة عن أساتذة حاصلين على ماجستير، وهناك عدة تخصصات أخرى، منها الصدر وأمراض المناطق الحارة.

كما أن هناك فريقًا خاصًا للعناية المركزة، بإشراف الدكتور وليد عبد الله، وأستاذ متخصص في التخدير والعناية المركزة بمساعدة 3 مدرسين مساعدين، إلى جانب الإداريين، التمريض، وفنيين سحب عينة المعمل وعمال النظافة، وفريق مكافحة العدوى، وفريق للحماية المدنية. مستشفى متكامل تم تجهيزه لكورونا، يسكنه العاملين والمرضى، فقط يبيت الأطباء بدار الضيافة الملاصق للمستشفى.

يتسلم الطبيب العمل بالمستشفى الميداني بعد إجراء مسحة له، ويبقى لمدة 14 يومًا متواصلة يعقبها مسحة أخرى للتأكد من أنه لا يزال غير حامل للفيروس، ويقول عمر منصور، مدرس الباطنة العامة والكلى بكلية الطب جامعة عين شمس "نبدأ استقبال المريض بعمل الفحوصات اللازمة التي نضع الخطة العلاجية بناء عليها، فلكل حالة خطة علاجية حسب توصيات الصحة العالمية".

يستقبل مستشفى العزل المرضى المحولون من مستشفى الدمرداش أو مستشفى عين شمس التخصصي، ويتم تقييم حالة المريض بشكل مبدئي من الطوارئ، ثم الكشف عليه مرة أخرى بالمستشفى الميداني، بعدها يتحدد حاجته لغرفة عادية أم غرفة عناية مركزة، حسبما يضيف طبيب الباطنة بالمستشفى.

حالة وفاة وحيدة لمريض بسرطان الرئة منذ بدء العمل بالمستشفى، فيما استقبل المكان 168 مريضًا، حتى منتصف يوليو الجاري، بحسب أسامة أشرف، مدير المستشفى، فيما يتلقى العلاج حاليًا 45 مريضًا، منهم 8 بالعناية المركزة، و120 مريضًا تم شفاؤهم وخروجهم من المستشفى.

رغم انخفاض الأعداد وتحسن الأحوال حسب تأكيد مدير المستشفى، إلا أن القائمين على المكان يتعاملون بكل اليقظة "المشكلة الحقيقية التي نواجهها هي كبار السن، والذين يعانون من أورام أو كبد أو كلى، في حالة إصابتهم بـ COVID 19، فإن التدهور يكون سريعًا وحادًا وحرجًا".

الكل داخل المستشفى سواء، تشعر أنه فريق رياضي في ساحة ملعب رغم أن كثير منهم لا تربطه معرفة سابقة بزميله، لكن الظروف جعلت بينهم أُلفة وتلاحم يضفي على المكان، حتى أنهم وجدوا وسيلة للتعرف على بعضهم البعض بينما يمرون وتغطي وجوههم الأقنعة، قرروا كتابة الاسم على بدلهم الواقية.

حالة الرضا التي يعيشها الأطباء إلا أن هناك أوقاتًا عصيبة عاشوها "الفترة الحرجة لدينا كانت شهر رمضان الماضي واستمرت حتى نصف الشهر التالي" يقول مدير المستشفى قبل أن يعقب "لكن الآن تراجعت حدة الأعراض على المريض، وأعتقد أننا نسير في الاتجاه الصحيح فنحن نسيطر على الفيروس وبعض الناس أصبح لديهم ثقة في أنفسهم وأنهم يستطيعون عزل أنفسهم بالمنزل".

لأربع مرات يوميًا، يتم تعقيم المرضى والمكان بالكامل، كافة التفاصيل حتى صناديق الطعام "أقوم بالمتابعة المستمرة لالتزام الجميع بالملابس الواقية وعدم خلعها أثناء فترة العمل، ونوفر جميع الإمكانيات للنظافة والتعقيم" تقول مدير مكافحة العدوى بالمستشفى.

كذلك تقوم آمال بمتابعة ومراقبة عمال النظافة لضمان التخلص الصحيح من النفايات، وأن الجميع حصلوا على محاضرات كافية، ويرافقها مصطفى كمال من مستشفى العبور، فهما المسؤولان عن مكافحة العدوى بالمستشفى الميداني.

بين 14 و15 ساعة تستغرق أقل فترة عمل يومية للطاقم الطبي في المستشفى الميداني، البعض يسرق قسطًا من الراحة بعد ساعات عمل تصل إلى 36 ساعة، تراه متكئًا إلى حائط أو منكفئًا على منضدة، لحظات تغمض فيها العين حتى تواصل من جديد.

مع ظهور كورونا كان على عاتق آمال مهمة شرح ما يجري لأسرتها خاصة والديها لكبر سنهما، وضعت الطبيبة بروتوكول خاص يسير عليه الجميع داخل المنزل، وهي بالتبعية تلتزم بالقناع الطبي والمطهرات، كأنها تُكمل مهمة أخرى في بيت العائلة لكنها تفعل ذلك بروح مبهجة وهي تقول "يكفيني ثناء والديَّ ودعواتهما لي وأنا أؤدي هذ العمل النبيل ابتغاء وجه الله، وهو كذلك عمل وطني".

يخلو الطاقم الطبي في المستشفى الميداني من الإصابة بـ"كورونا"، إلا أن الطبيب سيف الدين عصام، الصيدلي بجامعة عين شمس، يُكمل العزل في المنزل بعد انتهاء 14 يومًا "بعد خروجي من المكان يتم العزل بعد أخذ عينة، وفي البيت ارتدى الماسك وأظل بمفردي لمدة أسبوع على الأقل".

في الصيدلية الإكلينيكية، التي يعمل بها سيف الدين، يتم تطبيق البروتوكولات المتبعة بجامعة عين شمس، للوصول لأعلى جودة في علاج المريض، يشرح الصيدلي الحاصل على دبلومة تغذية علاجية من جامعة بوسطن بالولايات المتحدة- أن الدور الرئيسي الذي يقوم به في الصيدلية هو ضبط الجرعات وملاحظة التأثير على المرضى وتفاعلات الأدوية مع الطعام أو مع بعضها البعض والتوقيتات، والتوقف عن دواء معين أو تغييره، مشيرًا إلى أن قسم الصيدلة الإكلينيكية له دور فعال ومهم في جميع الدراسات التي تخص "الفيروس المستجد" للوصول لأفضل شيء ممكن في العلاج.

منذ بداية الجائحة لم يعتمد الفريق الطبي على بروتوكول واحد، فبحسب سيف الدين "حدث تغيير كبير، في البداية كان مجرد محاولات واجتهادات، وفي الفترة الأخيرة تم عمل أكثر من بروتوكول وأكثر من group control، للوصول لأفضل مجموعة علاجية فعالة للمريض، لأننا بمرور الوقت تتكشف لنا الأمور أكثر".

في كل قسم داخل المستشفى، يتساوى عدد المرضى وطاقم التمريض، تقول عبير سمير إبراهيم، مشرفة التمريض بالمستشفى الميداني: "نتعامل مع المرضى بود، ونسعى لتوفير جميع ما يحتاجون إليه، وقد يكون مصابا بأمراض أخرى بخلاف covid – 19، فعلينا تحمله وتفسير حالته النفسية، التي في كثير من الأحيان ما تكون سيئة للغاية".

لا يقتصر التمريض على تقديم الرعاية الطبية، إنما يحاولون طمأنة المريض، يضفون الروح الإيجابية، يؤمنون أن تخفيف الأجواء على المرضى يُعجل من الشفاء، فيما تتوفر لهم الوسائل الداعمة "لدينا ملابس وقائية كاملة وماسكات تدوم لـ300 ساعة، لذلك نتعامل مع المرضى بطريقة طبيعية ودون خوف".

يعكف الطاقم الطبي في المستشفى الميداني بأكمله على خدمة المرضى بكل ما أوتوا من قوة، يتكبدون معاناة كبيرة، يتناوبون العمل وتقسيم المهام ما بين المستشفى الميداني والعمل في مستشفيات جامعة عين شمس لتخفيف العبء، فيما يواصلون "المهمة الصعبة" حتى انكشاف الغمة.

فيديو قد يعجبك:

صحتك النفسية والجنسية