حسام زايد يكتب: الرقص على جثة الدكتورة "سارة"..!
لم يكن الكذب في أي وقت من الأوقات أمراً سهلاً.. شأنه في ذلك شأن كل أمر جَلل له قواعد وأساليب ومبادئ واحترام.. كما أن له طقوسه، وشيوخه، ومفاهيمه، ومدارسه، فتجد الكذاب الشكّاي، والكذاب البكّاء، والكذاب الشامخ، والكذاب الواطى، والكذاب الخلاق، أما الكذابون الجدد فهم الأكثر فشلاً.. لأنهم افتقدوا كل قواعد الكذب المتعارف عليها، ودأبوا على السعي داخل محراب العشوائية في كل شيء.
أخيراً خرجت علينا آلة الكذب الرسمية متمثلة في المتحدث الرسمي لوزيرة الصحة قليلة الحظ الإعلامي، التي لا تكاد تخرج من "حفرة إلا وتقع في دُحديرة"، بفضل حارسها الإعلامي "مسيلمة" الذي أكد بما لا يدعو للشك أن طبيبة المطرية سارة أبو بكر جاءت وفاتها طبيعية تماماً بسبب هبوط حاد في الدورة الدموية أدى إلى توقف عضلة القلب، وأنه لا صحة لوفاتها بسبب الصعق الكهربائي، وأن كل ما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي عار تماما عن الصحة، بل وزاد على ذلك بتأكيده أنه لا يوجد أي دليل على وفاتها بالصعق الكهربائي نتيجة للإهمال الجسيم، جاء هذا التصريح الواضح والمباشر على لسانه وبصوته من "خلال برنامج اليوم دي إم سي"، ورغم محاولة مذيعي البرنامج مراجعته ومواجهته بشهادة زملائها الأطباء بأنها تعرضت للصعق الكهربائي، إلا أنه أكد عدم صحة هذه الشهادة، وأكد وفاتها بشكل طبيعى تماماً.. ولأن الكذب "ليس له رجلين".. قرر النائب العام المستشار نبيل أحمد صادق، منذ عدة أيام، إحالة كبير مهندسين بالهيئة العامة بالمستشفيات والمعاهد- مسؤول أعمال مستشفى المطرية التعليمي وملحقاته-، ونائب مدير مستشفى المطرية التعليمي للخدمات، ومدير الإدارة الهندسية بالمستشفى المختص بمتابعة أعمال الصيانة، ورئيس شؤون المقر بالمستشفى - جميعهم محبوسون-، إلى المحاكمة العاجلة، بعد أن وجهت النيابة العامة للمتهمين عدة اتهامات أهمها الإهمال في القيام بواجبات وظيفتهم في الإشراف ومتابعة أعمال صيانة تطوير توصيلات المياه والكهرباء بالمبيت الخاص بسكن طبيبات مستشفى المطرية التعليمي، ما نتجت عنه إصابة الطبيبة المجني عليها بالصعق الكهربائي الذي أودى بحياتها.
والسؤال هنا: كيف يمكن السكوت وغضّ البصر عن الكذب الرسمي المفضوح بغرض تضليل الرأي العام المتعمد ومع سبق الإصرار؟ وبدلاً من معاقبته.. قامت الوزيرة هالة زايد بمكافأة متحدثها الرسمي بالمد لمدة عام جديد ليستمر في الكذب لتضليل الرأي العام المصرى؟
كيف لا يحاكم مثل هؤلاء المستهترين بعقل المواطنين بمنتهى السذاجة والسطحية تحت مظلة البيانات الرسمية لوزارة الصحة؟
كيف يتم إهدار حق المواطن في المعرفة بالحقيقة على أيدي من يحملون الأمانة لنقل الحقيقة وليس نفيها وإخفاءها، وأين حق الطبيبة الشابة التي حاول المتحدث باسم وزارة الصحة تبرئة وزارته على جثتها؟
وهل إهدار حق الطبيبة التي دفعت حياتها بسبب إهمال موظفي الوزارة المسؤولين عن الصيانة، لا يدخل في نطاق وظيفة المتحدث الرسمي ليدافع عنها؟
وإذا كنا نرفع القبعة احتراماً وإجلالاً للنائب العام ورجاله الذين انتصروا للعدل والحق كعادتهم.. نقول إنه آن الأوان لمحاسبة كل من تعمد إخفاء الحقيقة في وفاة مواطنة، والإساءة للمؤسسة الحكومية التي يمثلها سواء بقصد أو دون قصد لأن النتيجة في النهاية هي إهانة المواطن ووقوعه في دائرة التدليس والتغييب والبعد عن الحقيقة، مما يترك آثراً نفسياً بالغ السوء يضيع على الحكومة كل الجهود التي تبذلها من أجل توفير الخدمات الجيدة للمواطن بسبب تصرفات غير مسؤولة ممن يطلق عليهم المتحدثون الرسميون للوزارات، وهم أبعد ما يكونون عن هذا الوصف.
فيديو قد يعجبك: