أكثر الكلمات انتشاراً

لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"الكونسلتو" من قلب الحجر.. كيف يواجه "أهل مصر" فيروس كورونا؟

12:03 ص الخميس 14 مايو 2020

مستشفى أهل مصر

كتب - أحمد كُريِّم:

يشهد مدخل مستشفى أهل مصر المخصص لعلاج المصابين بفيروس كورونا المستجد، مشاعر متناقضة بصورة يومية، ففي الوقت الذي يستقبل فيه الأطباء حالات جديدة يعتلي ملامحهم الذعر والخوف من هول الموقف، هناك أناس آخرين تغمرهم مشاعر السعادة لتعافيهم من عدوى كوفيد-19، ويستقبلهم ذويهم بالزغاريد وباقات الزهور.

تبدأ رحلة الفرق الطبية بمستشفى أهل مصر الكائن بالحي الخامس، بالمرور على المرضى صباحًا ومساءً، لمتابعة حالتهم الصحية، وتلبية احتياجاتهم، ويحاولون قدر المستطاع طمأنتهم واحتواء مخاوفهم وتخفيفها.

وفي سبيل ذلك، تقدم الفرق الطبية العديد من التضحيات، فعلى سبيل المثال، اضطر الطبيب أحمد فريد، مدير المستشفى، أن يترك زواجه الحديث، ليقود فريقًا طبيًا بمستشفى أهل مصر، مسئول عن علاج المصابين بفيروس كورونا، وسط مخاوف من الإصابة بالعدوى التي قد تمنعه من العودة لزوجته ثانية.

يقول الطبيب: "أنا متزوج حديثًا، وبالتحديد نهاية شهر فبراير الماضي، ووالدي ووالدتي وزوجتي كانوا رافضين فكرة إني أبقى مسئول عن الفريق الطبي المعالج لفيروس كورونا بمستفى أهل مصر، لكنهم تقبلوا الأمر في النهاية، بعد الإلحاح عليهم".

وبعد أن قضى فترة داخل مستشفى الحجر، عاد الطبيب إلى أدراجه، ليعزل نفسه بالمنزل لمدة 14 يومًا، كإجراء وقائي، ولكن زوجته كانت مصرة على أن تقضي هذه الفترة معه، ولكنه قابل طلبها بالرفض: "زوجتي رافضة إني اتعزل لوحدي، ومصممة إنها تيجي تقعد معايا، وأنا رفضت عشان خايف عليها".

ليلًا تقابلنا مع الطبيب في الحجر، ووجدناه برفقة زملائه يكتبون نتائج عينات المرضى، ويراجعون التقارير الطبيبة الخاصة بها: "مش بنام غير 5 ساعات، ببدأ يومي بالمرور على المرضى وبسحب العينات منهم، وانتظر نتيجة عينات اليوم السابق علشان أوزعها على الحالات، وبعد كدا بسكِّن كل مريض الطابق الملائم لحالته الصحية، وفي نهاية اليوم، أمر مرة أخرى على المرضى للاطمئنان عليهم".

ويضيف فريد أن المستشفى تستقبل الحالات الخفيفة من المصابين بكورونا، ولا يوجد بها رعاية مركزة أو أجهزة تنفس صناعي، وإذا تفاقمت الحالة الصحية لأحد المرضى، يتم تحويله لمستشفيات عزل خارجية تابعة لوزارة الصحة"، متابعًا: "تم تحويل حالتين فقط منذ تخصيصها كمستشفى لعزل الحالات الخفيفة".

وبابتسامة، تحدث فريد عن شعوره عند التعامل مع المريض: "أكيد بيكون فيه قلق، لكن ده واجبنا وقدرنا إننا نكون متواجدين في هذا المكان، لحماية شرف المهنة، ومستعدين لتقدم أي تضحيات".

ويتابع: "هناك صعوبة جدا في التعامل مع المرضى، بنحاول نحط نفسنا مكانهم، مقدرين وضعهم وبنسمع كتير كلام يضايق من المرضى وشتايم، بس لازم نتحمل ذلك، لأنه في النهاية هما مرضى وفي وضع صعب، وربنا يعينا ويرفع البلاء عن الجميع".

يحرص الطبيب الشاب على أن يتخذ إجراءاته الاحتياطية قبل الصعود لطوابق المرضى: "ارتدي الواقيات الشخصية كاملة، وبقدر الإمكان بيكون فيه مسافة آمنة بيننا وبين المريض عند التعامل أو الحديث معه، وبيتم التخلص من الواقيات والتطهير بمياه ساخنة وكحول وصابون".

وفي بهو المستشفى، التقينا الممرضتين أسماء بهاء وجومانا أيمن بعد الانتهاء من المرور على المرضى وتقديم الخدمات الطبية لهم.

توضح أسماء بهاء، مشرفة التمريض، روتين عملها داخل المستشفى: "برتدي الملابس الوقائية، وبعدها بمر على المرضى، لمتابعة حالتهم وقياس الحرارة والعلامات الحيوية، وتقديم الوجبات الغذائية لهم، وتلبية احتياجاتهم".

بعد ذلك، تقوم أسماء بإبلاغ المرضى بنتيجة العينات، وتستقبل الحالات الجديدة، وتوزعها على الغرف بعد قياس العلامات الحيوية.

تقاطعها زميلتها جومانا، قائلة: "نتعامل بشكل كبير مع المرضى أكثر من الأطباء ونرتدي البدل الوقائية والماسك وعازل الوجه والجوانتي قبل الصعود للمرضى ونغيرها من وقت للتاني، وقبل النزول من عند المريض، يتم خلع هذه الملابس الوقائية والنزول للاستحمام والتطهير وغسل الملابس بمياه ساخنة ومطهرات".

ورغم إجراءاتها الوقائية، لم تستطع أسماء أن تخفي قلقها من التعامل مع المصابين: "أول ما جينا كنا خايفين وبناخد مسافة من المريض، وبعد كده قلنا حرام المريض ملهوش أي حد غيرنا، ولما يحصل أي حاجة بنتدخل أولًا وبعدها بنبلغ الطبيب".

واستكملت جومانا حديث زميلتها لتضيف: "في الأول كان فيه خوف مش عشان نفسنا بس عشان أهلنا، لكن في النهاية ده شغلنا، وواجبنا ودورنا لازم نؤديه على أكمل وجه".

ورغم الرفض الذي قابلته جومانا من جميع أفراد أسرتها عندما أخبرتهم برغبتها في المشاركة في علاج المصابين بكورونا، تقبلت والدتها الموضوع في النهاية وشجعتها وقالت لها: "اللي هيصيبك هيكون قدر من عند ربنا وأنا مؤمنة، وهذا دورك وشغلك".

أما أسماء، فلم يختلف رد فعل أهلها عن أهل زميلتها: "والدتي كانت تدخل في نوبات بكاء، ورفضت في البداية إني أروح مستشفى العزل، عشان أنا بنتها الوحيدة، ويوميًا بتكلمني وهي بتعيط في التليفون من خوفها عليا".

وخوفًا على والدتها، قررت الممرضة أسماء ألا تتوجه إلى منزلها فور مغادرتها المستشفى، بل ستمكث 14 يومًا في منزل آخر كعزل منزلي: "هنروح نعزل نفسنا في شقة مع 5 من زملائي، مش هنستحمل نشوف حد من أهلنا مريض".

حذر الأطباء ينعكس على المرضى ايضًا، فعلى مسافة تجاوزت مترين جلس عبد الحميد على مقعد في طرقة، يرتدي كمامته، ليروي رحلة اكتشاف مرضه وإصابة زوجته التي اتسمت بالغرابة بعض الشيء دون أن يتوصل لسبب واضح للإصابة.

في صباح 19 أبريل الماضي، توجه المحاسب برفقة زوجته إلى معمل مستشفى عين شمس التخصصي، ليطمئن على نفسه، بإجراء تحليل الـPCR لفيروس كورونا: "مكنش عندي أعراض أنا أو زوجتي بس قلت أروح أطمن على نفسي وزوجتي، واكتشفت إصابتنا بالفيروس وتم تحويلنا إلى مستشفى 15 مايو المخصص للعزل، وقعدنا فيها 9 أيام، وبعد تحسن حالتنا، حولونا لمستشفى أهل مصر لحين الشفاء".

وعن أيامه في مستشفى العزل يقول: "من حسن الحظ، أنا وزوجتي كنا قاعدين في نفس الأوضة في مستشفى 15 مايو، ده خفف من أثر صدمة الإصابة كتير جدًا، ولو كانت في مكان تاني كنت هبقى قلقان عليها".

وبعد تحويلهما إلى مستشفى أهل مصر، اختلف الأمر بعض الشيء، جلس عبد الحميد في غرفة مع زميل له، بينما مكثت زوجته مع زميلتها في القسم المخصص للسيدات.

ورغم ذلك، كان يطمئن عليها باستمرار ويقابلها في طرقة المستشفى، المنطقة الآمنة لخروج المرضى على فترات بعد ارتداء الكمامات.

وقت تناول العلاج، من اللحظات الثقيلة التي يمر بها عبد الحميد: "تقيل على معدتي، عرضني للقيء 3 مرات"، وبإيمان شديد يضيف المحاسب: "كنت رامي حمولي على ربنا سبحانه وتعالي، كنت بدعو ربنا يخرجنا ويخرّج مصر كلها من المحنة دي، وياريت الناس تمنع التجمعات والتباعد، لحين مرور الأزمة".

لم تتسنى لعبد الحميد فرصة الاستمتاع بالروائح الرمضانية، حيث قضى 12 يومًا في رمضان بمستشفى العزل، إلا أنه كان حريصًا على الصيام بعد ضبط مواعيد الأدوية.

وخلال حديثنا معه، أُبلغ المريض بسلبية نتيجة تحليله لفيروس كورونا، وشعر في هذه اللحظة بأن هذا الكابوس على مشارف الانتهاء، وحلم العودة إلى منزله مرة أخرى بات قاب قوسين، ولكن فرحته لم تكتمل، لا تزال نتيجة تحليل زوجته إيجابية: "هسيب نصي التاني في المستشفى وهمشي، زعلان لأني هتركها لوحدها، بدأنا رحلة العلاج كلها مع بعض وافترقنا هنا".

فيديو قد يعجبك:

صحتك النفسية والجنسية