أكثر الكلمات انتشاراً

لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

سجن الجذام.. "صلاح" تغلب على المرض وخسر المعركة

05:51 م الأحد 27 يناير 2019

الجذام

كتبت: ندى سامي

كدمة في القدم اليسرى جعلت صلاح يكتشف إصابته بمرض الجذام، لم يشعر بأي وجع في تلك الكدمة فظن أنه مصاب بمرض السكر، وبعد التحاليل اللازمة أخبره الطبيب أنه لا يعاني من السكري ونصحه باستشارة طبيب جلدية، والذي شك في إصابته بالجذام بعد الفحص، وطلب منه إجراء تحليل حتى يتحقق من شكوكه، لتبدأ بعدها رحلة صلاح مع الجذام.

الجذام مرض معدي مزمن تسببه المتفطرة الجذامية وهي بكتريا عصوية الشكل ويؤثر المرض في المقام الأول على الجلد والأعصاب المحيطة والغشاء المخاطي للقناة التنفسية العلوية والعينين، في بعض الحالات قد تظهر الأعراض في غضون سنة واحدة، ولكنها قد لا تظهر إلا بعد مرور 20 عاما، بحسب منظمة الصحة العالمية.

تشير الأرقام الرسمية التي وردت من 138 بلداً من جميع أقاليم منظمة الصحة العالمية، ومنها مصر، إلى أن انتشار الجذام العالمي المسجل بلغ 176176 حالة في 2016 أي 0.18 حالة لكل 10000 شخص، في انخفاض ملحوظ عن السنوات الماضية.

وأشارت المنظمة في تقريرها، إلى أنه قد نجح العالم في التخلص من الجذام كمشكلة من مشكلات الصحة العمومية في عام 2000 أي أنه حقق معدلاً لانتشار الجذام يقل عن حالة واحدة لكل 000 10 نسمة على الصعيد العالمي، وقد تم شفاء نحو 16 مليون مريض بالجذام بواسطة المعالجة بالأدوية المتعددة خلال العشرين عاما الماضية.

صلاح يدفع ضريبة الجذام

في البداية لم يكن صلاح يعرف عن المرض ولكن حديث الطبيب عن أهمية فحص أسرته للتأكد من عدم إصابتهم بالعدوى جعله يشعر بالخوف والقلق، مرت الأيام القليلة بعد معرفته عن المرض بثقل شديد وخاصة بعدما دخل على محركات البحث وتعرف على الجذام.

يقول صلاح: "الصور اللي شفتها خلتني أحس بالخوف والغضب"، ولكنه لم يستطع إخبار أحد من أسرته الصغيرة المكونة من زوجة وولدين أكبرهم لم يتجاوز الثامنة عشر، بعد حوالي شهر اصطحبهم معه لإجراء التحليل وبعد أن كشفت نتيجته عدم إصابة أحد قرر أن يعيش بمفرده في شقة والده.

بعد مرور 6 أشهر من إقامته بمفرده، أكد الطبيب أنه لن يتسبب بنقل العدوى لأي شخص طالما بدأ تلقي العلاج، وأن الأفضل عودته للعيش برفقة أسرته لتحسين حالته الصحية والنفسية.. عاد صلاح بالفعل ولكن بعد أن تآكلت أطراف يديه وباطن قدمه اليسرى.

ترك صلاح، وظيفته بعدما بدأت أعراض المرض في الظهور، وأثر المرض على عينيه واعتزل الناس بعد أن شعر بخوفهم منه واشمئزازهم من شكله، فقرر أن يهجر محل إقامته بالقليوبية وينتقل وأسرته إلى نكلة إحدى قرى محافظة الجيزة.

الوصم لحق بصلاح في مقر سكنه الجديد بالرغم من تعافيه، حيث فرضت هيئته نمطا مغايرا للحياة ليصبح أكثر انعزالا.. تحول الرجل الأربعيني لكهل عصبي المزاج يتمنى الرحيل من الدنيا، حتى يتخلص من الألم النفسي والضغط العصبي الذي يشعر به ويسببه لمن حوله، فكر مرارًا في الالتحاق بمستعمرة الجذام، ولكن خوفه من فراق أسرته جعله يتراجع.

44866099_10215677616866149_8541039859668615168_n

وهم نقل العدوى.. شبح يطارد المتعافين

العدوى من الجذام المشكلة الأخطر التي يخشى منها المرضى على ذويهم، كما يخشى المحيطين بالمريض تعرضهم للعدوى، هكذا تقول الدكتورة هيام عبد العليم محمد مدير عيادة الجلدية والجذام بالعمرانية، موضحة أن العدوى تتم عن طريق الرزاز المتطاير من الشخص المريض، ولا تتم إلا بالاختلاط الدائم والمستمر، ولكن إذا تعرض الشخص لمصدر العدوى مرة أو اثنين فلن يصاب بالمرض.

وأوضحت عبدالعليم، أن 95% من البشر لديهم مناعة تقيهم من العدوى، و5% فقط لديهم استعد جيني وحتى هؤلاء لا تنتقل إليهم العدوى إلا عن طريق الاختلاط الدائم بالمريض حامل المرض والتعرض للرزاز المتطاير من شخص مريض، وقد تحدث العدوى للأشخاص القريبين للمريض الذي لم يعرف بإصابته، ولكن بعد أسبوعان تناول الجرعة العلاجية المجانية التي توفرها منظمة الصحة العالمية سيتوقف خطر نقل العدوى لآخرين.

أضافت مدير عيادة الجلدية والجذام، أن العلاج يستمر لمدة عام، ويتابع المريض مع المستشفى شهريًا، ليأخذ جرعة العلاج، وإذا تغيب أحد المرضى عن موعد استلام جرعة الدواء، يتواصل معه أحد الأخصائيين بالمستشفى، عن طريق قاعدة البيانات التي تحرص المستشفى على جمعها للتواصل الدائم مع المرضى، مشيرة إلى أنه بمجرد التشكك في وجود المرض يتم أخذ عينة من الجلد وتحليلها وبدء رحلة العلاج، ويتم فحص أسرة المريض والمحيطين به للتأكد من عدم إصابتهم بالمرض.

أشارت عبدالعليم، إلى أن المتعافين من الجذام يعانون من وصمة مجتمعية، حيث يرهب كثيرون التعامل معهم ظنا أنهم قد يتعرضون للعدوى، لذا يهتم المستشفى بتقديم الرعاية النفسية لهم عن طريق أطباء وأخصائيين نفسيين يعملون جنبًا إلى جنب مع العلاج الدوائي للمريض، وكذلك بعد الانتهاء من الدواء والشفاء، مشيرة إلى أن كثير من المصابين يخفون خبر إصابتهم خوفًا من إقصائهم من الحياة الاجتماعية.

34123064_10214607353350230_6334621297498128384_n

أشارت عبد العليم، إلى أن المرضى الذين لم يتأثر شكلهم هم الأكثر حظًا في مواصلة الحياة بشكل طبيعي،أما من يتأثر مظهرهم الخارجي فيضعهم المجتمع قيد الإقامة الجبرية حتى بعد الشفاء.

تقول هيئة "caritas" الألمانية المعنية بشؤون مرضى الجذام حول العالم كأحد أنشطتها، إنه بحلول عام 2018 وصلت نسبة المصابين بالجذام في مصر إلى المعدل العالمي الطبيعي، وأعلنت عن نجاحها في مصر بموجب البروتوكول الذي تم عقده منذ 1979 مع إدارة الجذام بوزارة الصحة المصرية بهدف الوصول إلى النسب العالمية الطبيعية.

"أصدقاء الجذام".. دعم ومساندة

مرض نادر يصيب أمير وهو على أعتاب عقده الثاني، يفقده البصر ويفقده معه اهتمامات الحياة، "هارادا" هو اسم المرض المناعي الذي أصيب به ولم يكن يعرف عنه مسبقًا حتى احتار الأطباء أيضًا في تصنيف المرض والتعرف عليه لأنه غير منتشر في مصر ولا في العالم إلا بصورة نادرة، حياة مليئة بالأدوية والفحوصات والمستشفيات انتهت بالشفاء من المرض بل واستعادة النظر مرة أخرى في حالة نادرة الحدوث أيضًا.

قرر أمير، أن يهب نفسه وحياته للمرضي الذين يعانون من الأمراض النادرة ويساعد المهمشين الذين لا يعرفون عن مرضهم ويصل بهم لأبواب النجاة، بعد البحث توصل إلى مرض الجذام الذي لم يكن يعرف عنه شيئًا من قبل، تتبع المرض ووصل إلى مستعمرة الجذام المقامة في أبو زعبل، عايش المرضي وعرف عنهم وتأثر بالعزلة الجبرية التي فرضها عليهم المجتمع.

كون أمير مع متطوعين آخرين جمعية أصدقاء الجذام، وبدأوا عملهم بحصر العيادات والمستشفيات التي تقدم المساعدة لمرضى الجذام، والتي وصل عددها إلى 18 عيادة، حتى يكونوا حلقة الوصل بينهم وبين المرضى ممن يبحثون عن العلاج، كما تعاونوا مع وزارة الصحة وأمدوها بالحالات التي تحتاج المساعدة والتدخل الطبي.

44882018_10215677549384462_1563919015494025216_n

كونت جمعية أصدقاء الجذام قاعدة كبيرة من المرضى والمتعافين، الذين يعانون نتيجة ضعف مناعتهم من كثير من الأمراض، جرعات العلاج الأولى تفسد العدوى التي يمكن أن ينقلها المريض لآخرين ولكنها لا تفسد الصورة الذهنية عن مريض الجذام كشخص ناقل للعدوى يخشى منه كثيرون، فيتم الابتعاد عنه بنسب تتفاوت مع تفاوت درجة الإصابة وتأثر الشكل الخارجي.

يحكي أمير، من خلال تجربته التي تتعدي 8 سنوات عما يعانيه المتعافون من المرض من هجر اجتماعي، وعدم قدرتهم على الانخراط في المجتمع، وعدم توفر بيئة عمل مناسبة وهو ما يدفعهم للعزلة، ولكن الأقل تأثرًا في مظهرهم الخارجي هم الأكثر حظًا، ومعظمهم لا يخبرون أسرهم بالإصابة بالمرض والتعافي منه، ويعللون تآكل أجزاء من الأطراف بالإصابة بالسكري أو غيره من الأمراض.

تكمن المشكلة الأكبر لمن تلقوا جرعات العلاج التي توفرها الدولة في ضعف المناعة التي تسبب إصابتهم بكثير من الأمراض التي تهدد صحتهم وقد تؤدي للوفاة، يحكي أمير، عن شاب يدعى وليد تسبب ضعف المناعة في إصابته بتليف الكبد الذي أدى لوفاته بالرغم من تعافيه من الجذام الذي تسبب في تآكل أطراف اليد والقدم، ولكن جسده ومناعته الضعيفة لم تتمكن من علاج الأمراض التي داهمت جسده الهزيل.

قصص وحكايات يعايشها أمير، مع المرضى والمتعافين من الجذام الذي حمل على عاتقه مساعدة أكبر عدد ممكن منهم برفقة أكثر من 30 متطوع يجوبون المحافظات بحثًا عمن يحتاج المساعدة، في ظل غياب التوعية المجتمعية عن المرض.

فيديو قد يعجبك:

صحتك النفسية والجنسية