قاهر سرطان المبيض: زوجتي مصدر إلهامي- وهدفي إنهاء معاناة المرضى

الدكتور أحمد عاشور برفقة محرر الكونسلتو
حوار- أحمد فوزي:
تصوير- محمد معروف:
أكد الدكتور أحمد عاشور، مدير مختبر خلايا السرطان بجامعة أكسفورد في بريطانيا، أن هناك ثأرًا بينه وبين مرض السرطان، الذي اختطف منه زوجته بعد 17 عامًا من المعاناة، ظل خلالها عاجزًا في العثور عن علاجٍ لها، على الرغم من أنه طبيب متخصص في هذا الشأن.
وأوضح عاشور أنه كرّس حياته للعمل على اكتشاف لقاحًا ثوريًا يقضي على سرطان المبيض، أحد أخطر أنواع السرطان فتكًا بالنساء، مشيرًا إلى أنه لم يكن يتوقع أن يحقق هذه النتائج.
جاء ذلك في حوار خاص أجراه موقع "الكونسلتو" مع العالم المصري، كشف خلاله تفاصيل اللقاح الجديد وكواليس رحلته البحثية منذ انتقاله من مصر إلى إنجلترا.
وإلى نص الحوار:
في البداية.. من هو الدكتور أحمد عاشور؟
أنا الدكتور أحمد أحمد عاشور، تخرجت في كلية الطب جامعة عين شمس عام 1991. وفي عام 1997، قررت أنا وأسرتي الانتقال إلى بريطانيا، حينها كان ابني كريم في الرابعة من عمره، وابنتي دنيا حديثة الولادة.
بدأت حياتي المهنية في بريطانيا كطبيب حديث التخرج، حيث عملت في بداية مسيرتي بمجال النيابة، وهي المرحلة التي يتعين على الأطباء اجتيازها قبل أن يصبحوا أطباء ممارسين، ثم حصلت على درجة الدكتوراه في علاج أورام سرطان المبيض من جامعة كامبريدج. ومن هنا بدأت رحلتي الحقيقية في عالم البحث العلمي التي استمرت حتى اليوم.
حدثني عن التجربة الإنسانية التي مررت بها والتي أسفرت عن اكتشافك المذهل؟
مررت بتجارب قاسية جدًا في حياتي، من بينها فقدان والدي وزوجتي، رحمهما الله.
زوجتي كانت بالنسبة لي أكثر من مجرد شريكة حياة، فقد كانت صديقة وحبيبة. منذ إصابتها بسرطان الثدي، مررت معها في رحلة طويلة استمرت 17 عامًا من الصراع مع هذا المرض اللعين. كانت تجربة مؤلمة جدًا علمتني الكثير من الأشياء، التي لا يمكن أن يتعلمها الطبيب من الكتب أو الأبحاث.
هذه الرحلة مع مرض زوجتي جعلتني أرى السرطان من زاوية مختلفة، كإنسان قبل أن أكون طبيبًا. شعرت بآلامها وعايشت معاناتها وشاهدت كيف تتعامل مع القلق والتحديات؟ ما الذي تفكر فيه؟ وما الذي تتمناه؟
هذه التجربة كانت دافعًا قويًا لي للبحث عن طرق لتخفيف آلام مرضى السرطان، مثلما كنت أتمنى أن أتمكن من تخفيف آلام زوجتي.
هل يمكنك أن تشرح لنا كيف شكلت هذه التجربة حياتك المهنية؟
تجربتي مع زوجتي علمتني الكثير عن الجوانب الإنسانية التي يجب أن أضعها في اعتباري عند التعامل مع المرضى. تعلمت كيف يمكن أن يؤثر المرض اللعين على حياة الإنسان وعلى من حوله؟ هذا الأمر جعلني أكثر إصرارًا على أن أقدم كل ما يمكنني، لإيجاد حلول علمية تخفف آلام المرضى.
زوجتي كانت مثالًا للصبر والإرادة. رغم كل ما مرت به، كانت متمسكة بالأمل دائمًا، ما جعلها مصدر إلهام لا يُقدر بثمن. لقد علمتني أن العلاج ليس فقط بالأدوية، بل من خلال التعاطف مع المريض أيضًا وفهم معاناته والوقوف بجانبه في أصعب الأوقات. ولا يمكن أن أنسى الدعم الكبير الذي تلقيته من أسرتي.
من الذين تأثرت بهم في مسيرتك العلمية؟
تأثرت بالكثير من الأشخاص الذين كان لهم الفضل في ما وصلت إليه اليوم، والدي الدكتور عاشور، كان له دور كبير في حياتي. فقد كان دائمًا يدعمني ويشجعني على المضي قدمًا في مسيرتي. وزوجتي -كما ذكرت- كانت مصدر إلهامي ودعمي.
أما في المجال العلمي، فقد تأثرت كثيرًا بالدكتور علي خليفة، أستاذ علم النفس الإكلينيكي، الذي كان له دور كبير في توجيهي وتقديم نصائح قيّمة في مشواري العلمي، فضلًا عن الأستاذ الدكتور صبحي أبو لوز، المشرف على رسالتي في الدكتوراه، من الأشخاص الذين تركوا بصمة كبيرة في حياتي.
لننتقل إلى اكتشافك الثوري "لقاح سرطان المبيض"، كيف توصلت إليه؟
في البداية، أنا طبيب نساء وتوليد، تخصصت في أورام المبيض، وكان هذا بسبب ما رأيته من معاناة لمرضى سرطان المبيض. هذا المرض كان وما زال يصيب الكثير من السيدات حول العالم. وما يميزه أنه غالبًا ما يتم اكتشافه في مراحل متأخرة، عندما يكون قد انتشر في الجسم، مما يزيد من صعوبة علاجه.
كان المرض يثير لدي العديد من الأسئلة التي لم أستطع الإجابة عليها، مثل "هل يبدأ من المبيض نفسه أم أنه ينتقل من قناة فالوب؟ كيف يتطور المرض؟ وكيف يبدأ انتشاره؟".
كل هذه التساؤلات دفعتني للتركيز على دراسة هذا المرض، الذي يصيب أكثر من 300 ألف سيدة سنويًا حول العالم. كنت أبحث عن طرق تساهم في تقليل الألم الذي يعاني منها هؤلاء المرضى، وكانت لدي رغبة شديدة في إيجاد طريقة تقي الناس من الإصابة به في المراحل المبكرة، حتى يكون العلاج أكثر فعالية.
كيف سيقضي اللقاح على سرطان المبيض؟
اللقاح المُكتشف سيُمكننا من تعليم الجهاز المناعي كيفية التعرف على علامات السرطان في مراحله المبكرة باستخدام أدوات متطورة، والتعامل مع الخلايا السرطانية في بدايتها وهي "حميدة" وتدميرها قبل أن تتحول إلى "خبيثة".
هل توقعت أن يحقق بحثك هذه النتائج؟
بصراحة، لم أكن أتوقع تلك النتائج المبهرة التي وصلنا إليها. في الأبحاث العلمية، عادةً لا يمكن التنبؤ بالنتائج قبل البدء في تنفيذ التجربة. كل ما أملك هو تصور مبدئي بناءً على المعرفة العميقة التي اكتسبتها من سنوات العمل البحثي.
ولكن لا أحد يستطيع تحديد ما إذا كانت التجربة ستنجح أم لا. فالأبحاث العلمية غالبًا ما تتطلب محاولات متعددة. ومن بين كل 10 محاولات، توقع أن تفشل 9 منهم.
ولكن في النهاية، قد تنجح محاولة واحدة وتعطيك نتيجة ملحوظة، تستحق المضي قدمًا فيها.
في حالتي، بدأت البحث وأنا أضع تصورات ممكنة. وبالفعل مرت تجربتي بالكثير من المحاولات التي لم تُكلل بالنجاح. لكن في النهاية، كانت النتائج التي حصلنا عليها مذهلة وتجاوزت توقعاتي.
كيف تسير الأمور مع الاكتشاف الجديد؟
الأمور تسير على ما يرام بالنسبة للاكتشاف الجديد، بل بشكل أفضل مما توقعت. بدأنا حاليًا في إجراء التجارب الأولية على كريات الدم البيضاء المأخوذة من متبرعات يعانين من سرطان المبيض.
حتى الآن، نتائج التجارب الأولية تشير إلى أن جهاز المناعة يستجيب بشكل إيجابي لهذا المصل الجديد. ونحن في الوقت راهن في مرحلة تجميع البيانات اللازمة التي ستمكننا من البدء في التجارب السريرية على البشر. ومن المتوقع أن تبدأ هذه التجارب خلال فترة تتراوح من سنتين إلى ثلاث سنوات من الآن.
هل هذا الاكتشاف سيحدث فارقًا في علاج سرطان المبيض؟
بالفعل. هذه التجارب السريرية ستفتح باب الأمل للكثير من السيدات المصابات. نحن في مرحلة اختبار واكتشاف. ولكن عندما تبدأ التجارب السريرية، ستتوفر للمرضى فرصة حقيقية للمشاركة في هذه الدراسات، التي قد توفر لهم العلاج أو الوقاية من هذا المرض اللعين.
النتائج التي نتوقعها ستكون مشجعة جدًا، ومن ثم سنقوم برصد النتائج بدقة على السيدات اللاتي خضعن للتجارب السريرية. وهذا سيكون بداية لمرحلة جديدة من الأمل لمئات الآلاف من النساء حول العالم.
أين تُجرى هذه الأبحاث؟ ومن يمولها؟
الأبحاث تتم في جامعة أكسفورد في إنجلترا بالتعاون مع شركاء مختلفين في هذا المجال. ولكن لم نحدد بعد المستشفى الذي ستُجرى فيه التجارب السريرية.
أما بالنسبة للتمويل، فقد حصلنا على دعم كبير من منظمة "Cancer Research UK"، وهي واحدة من أكبر المنظمات التي تمول أبحاث السرطان في إنجلترا وأوروبا..
حتى الآن، أنفقت المنظمة أكثر من 600 ألف جنيه إسترليني، لدعم هذا البحث، وهو ما يعكس أهميته ومدى اهتمام المجتمع العلمي بتقديم الدعم اللازم له.
كيف ترى مستقبل هذا الاكتشاف؟
أرى أن المستقبل مشرق إذا استمرت هذه التجارب والبحوث في هذا الاتجاه. هذا الاكتشاف سيكون له تأثير هائل على كيفية علاج سرطان المبيض والوقاية منه، وسيتيح لنا أن نقدم علاجًا أكثر فعالية وأقل تأثيرًا على المريض. ولكني أيضًا أؤمن أن كل ذلك ما هو إلا بداية، وأن الأبحاث المستقبلية ستفتح أبوابًا أخرى لإيجاد حلول للعديد من أنواع السرطان الأخرى.
كيف ترى نفسك الآن بعد أن لقبك الإنجليز بـ"قاهر سرطان المبيض"؟
في الحقيقة، أشعر دائمًا بالحرج عند الحديث عن نفسي بهذه الطريقة. أحيانا أتوقف وأفكر. عندما كنت في سن الـ21، ماذا كنت أريد؟ وماذا كنت أحتاج لأحقق طموحاتي في المستقبل؟ ما كنت احتاجه في تلك الفترة هو الشغف والحافز للاستمرار. وأعتقد أنني الآن -وبعد كل هذه السنوات- أريد أن أنقل هذا الشغف والإصرار للآخرين، خاصة للشباب الذين يمرون حاليًا بما مررت به في عمرهم. أقول لهم: "تمسكوا بحلمكم، اعملوا من أجل الآخرين وليس فقط من أجل أنفسكم. عندما يكون لديك هدف نبيل، ستجد العون والمساعدة من كل من سبقوك في هذا الطريق".
أنا أؤمن أن النجاح لا يأتي بين ليلة وضحاها. فالطريق مليء بالتحديات، ولكن الفشل جزء من العملية، وفي مصر، يوجد العديد من الشباب الطموح، ولديهم القدرة على تحقيق النجاح، إذا امتلكوا الشغف والأمل والتسلح بالعلم والعمل الجاد. فإذا كنت تعمل من قلبك لتحقيق منفعة الآخرين، فستشعر في النهاية أنك على الطريق الصحيح، وأن كل خطوة قمت بها كانت تستحق العناء.
ما هي رسالتك الآن بعد كل هذه التجارب؟
رسالتي الآن هي أن العلم يجب أن يكون في خدمة الإنسان، وأنه ليس هناك شيء أهم من تقديم الراحة للمرضى وتخفيف معاناتهم. أؤمن بأن الأطباء يجب أن يتعاملوا مع مرضاهم بتعاطف كامل، وأن يتذكروا دائمًا أن وراء كل حالة مريض، هناك إنسان يعاني، وقد تكون الرحلة شاقة، ولكن الهدف يستحق العناء، وهو أن نحقق الأمل ونسعى دائمًا لإيجاد حلول علمية تُحدث فرقًا في حياة الناس.
حدثني عن طموحاتك المستقبلية
طموحاتي المستقبلية تتمثل في أن أكون سببًا في تخفيف آلام مرضى السرطان، وأن أضع أسسًا علمية ثابتة تساعد الأطباء في علاج هذا المرض اللعين. بينما الأمل الأكبر لي هو ألا يمر أي شخص بالتجربة القاسية التي مررت بها مع زوجتي طوال تلك السنوات الطويلة.
لقد عشت معاناة مريض السرطان عن كثب، وشعرت بكل لحظة من الألم والصبر الذي يتحمله هؤلاء المرضى وأسرهم. أريد أن أقدم للبشرية حلًا نهائيًا يخفف عنهم هذا العذاب. وأؤمن أن كل ما قدمته في بحثي وحياتي المهنية هو خطوة نحو تحقيق هذا الهدف النبيل.
فيديو قد يعجبك: