"طفل البلكونة" أمام الطب النفسي.. ما الأذى الذي حدث له؟
كتبت- حسناء الشيمي
حاولت أم - في فيديو تداوله مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي - إجبار طفلها القفز من شرفة الطابق الثالث وصولا إلى البلكونة للولوج إلى الشقة، بسبب ضياع مفتاح باب المنزل، وعند إخفاقه اعتدت عليه بالضرب، فما أثر مثل هذا الفعل على نفسية الطفل؟
"الكونسلتو" عرض الواقعة على أطباء نفسيين، لمعرفة آثار مثل هذه الأفعال التي يجبر فيها الأهل أبنائهم الصغار على أفعال يخشونها وعقابهم على فشلهم في إتمام ما يريدونه كما في الواقعة سالفة الذكر.
في البداية، اتفق الأطباء النفسيون الذين تحدثوا إلى "الكونسلتو" أن تصرف والدة الطفل المعروف بـ"طفل البلكونة" وإن كان "غير مقصود" إلا أنه عشوائي وينم عن "جهل" وعدم معرفة الأم بطرق المعاملة والتربية الصحيحة للطفل، بل ويؤثر على الطفل بشكل خطير جدا، ويتسبب له في اضطرابات نفسية وسلوكية، نستعرض أبرزها فيما يلي:
الخوف
مثل هذه المواقف يصعب على الطفل نسيانها، فتعرضه للخطر يجعله دائما يتوقع أنه سيكون معرض لمخاطر متعددة، وبالتالي يخاف من كل شيء محيط به، بل ويخشى ويتهرب من تحمل المسؤوليات لعدم قدرته على اتخاذ قرار مناسب، وفقا لما قاله الدكتور محمد الشامي، استشاري الطب النفسي.
فقدان الثقة في الأم
تعرض الطفل للعنف وشعوره بأن والدته لم تقم بحمايته بل عرضته لخطر كان من الممكن أن ينتهي بمصرعه، وزاد الأمر سوءا حينما عاقبته على عدم استطاعته على التسلق لجلب المفتاح، فذلك التصرف قد يجعله يفقد الثقة فيها تماما، بل وينفر منها وبالتالي يتجنب الإنصات إلى آرائها ونصائحها، وهذا الأمر في منتهى الخطورة وفقا للدكتور جميل صبحي، استشاري الأمراض النفسية والعقلية.
وأضاف صبحي، أن فقدان الطفل لثقته بوالدته والنفور منها، يعني النفور من كل شيء أمامه، وانهيار القدوة، ما قد يدفعه فيما بعد لاتباع سلوكيات عنيفة ضد المجتمع بشكل عام، وضد ها بشكل خاص.
قد يهمك: عبارات لا تخبري بها طفلك.. تأثيرها سلبي جدا
ضعف الشخصية
وعلى النقيض فشعور الطفل بأنه أداة يحركها الأهل كيفما شاءوا وبالطريقة التي يرونها دون مراعاة مشاعره يخلق منه طفل ضعيف الشخصية، لا يستطيع الدفاع عن نفسه، وعن حقوقه، وبالتالي يسهل لديه أن يتعرض للإهانة أو العنف دون أن يشعر بأن ذلك الأمر عجيبا أو أن عليه أن يوقفه أو يدافع عنه، بحسب الدكتور محمد الشامي، استشاري الطب النفسي.
الكبت
خطورة أخرى يشعر بها الطفل ولا يستطيع التعبير عنها، أشار إليها الدكتور علاء الغندور، استشاري التحليل والتأهيل النفسي، وهي الكتمان وكبت المشاعر التي يشعر بها لأنه واثق أنه لن يجد من يقدرها أو يحترمها، وبالتالي يتعرض للانطوائية والانعزال عن المجتمع الخارجي، وفقدان الشعور بآدميته، ما يؤدي به إلى الإصابة بالاكتئاب.
واتفق مع ذلك الدكتور جميل صبحي، استشاري الأمراض النفسية والعقلية، وأضاف أن الطفل قد يُصاب أيضا بـ"الوسواس القهري"، فضلا عن الاضطرابات السلوكية الأخرى التي تصيب الأطفال كاضطرابات النوم، رؤية الكوابيس، اضطرابات الطعام، التبول اللاإرادي.
قد يعجبك: إجبار طفلك على مواجهة مخاوفه يساعده أم يؤذيه؟
الانتقام
ونتيجة شعور الطفل بالظلم والقهر والإهانة يتولد لديه شعور بالرغبة في الانتقام من والدته أو والده، ويتفنن في عدم الاستجابة لآرائهم وإيذائهم بشكل غير مباشر وذلك بالانصياع لأوامر أشخاص طالب الأم أو الاب الابتعاد عنهم، ارتكاب الأخطاء والتلذذ بها، وقد ينساقوا لطرق الانحراف أو الإدمان، وفقا للغندور.
على صعيد متصل، ذكر موقع "psychology today"، أن إجبار الطفل على التورط في مواقف يخافون فيها من شيء ما، لا يساعدهم على القضاء على مخاوفهم، بل يزيد الأمر سوءًا، ويشعر الطفل بأنه وحيدًا، ولا يثق في الشخص الذي دفعه على القيام بهذا العمل أو في دعم ومساعدة أحد، ويزداد شعوره بالقلق، وتبقى المشاهد التي تم إجبار الطفل فيها في ذاكرته طوال حياته، لذا فإن أفضل طريقة هي مواجهة مخاوف الطفل، ما يجعل الأمر أقل فزعًا، ويجنب الأهل صعوبة دفعه لعمل شيء ما، وذلك عن طريق بعض الخطوات:
- التدريج
هناك بعض المواقف التي يحتاج فيها الطفل إلى المنهج التدريجي لمواجهة مخاوفه، ما يجعل الأمر أسهل ودون شعور مفرط بالقلق، ويمكن أن يتطلب ذلك 20: 30 دقيقة.
- التشجيع
لا يجب تمامًا إرغام الطفل على مواجهة مخاوفه، لكن لا بد أن يتم ذلك بالدعم والتشجيع، وترك الطفل يمسك بعجلة القيادة الخاصة بما يخيفه، وسؤاله إن كان يريد تجربة هذا الشيء، وحثه على أن يكون شجاعًا ولا يخشى شيئًا، وعلى الأمهات والآباء توضيح أنهم بجانب الطفل للتغلب على القلق حتى يشعر أنهم جميعًا في فريق واحد وليسوا ضده.
يمكن تشجيع الطفل أيضًا من خلال القصص ووجود شخصية يتخذها قدوة للتخلص من شعوره بالخوف، فضلاً عن إعطائه مكافأة عند النجاح في تحقيق ذلك.
- العقاب
لا يعد العقاب فعالًا في هذه الحالة، بل يجعل الأمور أكثر تعقيدًا، حيث يشعر الطفل بالوحدة وأنه في حيرة بين مواجهة فزعه أو تلقي العقاب، وبالتالي يمكن أن يرفض تحدي خوفه، ويتلقى العقاب كل مرة.
- الصبر
ربما لا يكون هذا اليوم هو الذي يمكن للطفل فيه القضاء على خوفه، وربما يحتاج الانتظار إلى الغد أو بعد الغد، لذا يراعى المحاولة كل مرة للتعامل مع قلق الطفل، والتحلي بالصبر والدعم حتى ينجح الطفل في تحقيق هدفه.
- التعاطف
يجب عدم إفشاء مخاوف الطفل، لكن التعامل مع الأمر بشكل حقيقي دون تقليل منه أو القول "لا تفعل هكذا مثل الأطفال"، لأن السخرية لن تحل المشكلة، لكن يجب القول "أتفهم أنك خائف، وهذا مقبول، فأنا كنت أخاف أحياناً، لكن المهم ألا تترك خوفك يتحكم في حياتك أو يضع حدود للأشياء التي يمكنك فعلها".
فيديو قد يعجبك: