بـ35 مليون جنيه.. "الكونسلتو" يشهد حصول طفلين على حقنة ضمور العضلات
كتب - أحمد كُريِّم:
في بداية عمر الأربعة أشهر، بدأت نورهان معوض تلاحظ أن طفلها أحمد يواجه صعوبة كبيرة في الحركة، وعندما ذهبت به إلى طبيب المخ والأعصاب لمعرفة السبب، صدمها بأنه مصاب بمرض ضمور العضلات الشوكي.
في غرفة الحقن بمركز ضمور العضلات في مستشفى عين شمس التخصصي، كان "الكونسلتو" شاهدًا على عودة الأمل من جديد إلى قلب نورهان، حيث انتهى طفلها من عملية الحقن بالعلاج الجيني لمرض ضمور العضلات، التي استغرقت ساعة ونصف تقريبًا.
استقبلتنا نورهان بابتسامة عبرت عن شعورها بالامتنان لإنقاذ طفلها، الذي كاد أن يفقد حياته لولا حصوله على الحقنة: "بأشكر ربنا أولًا، ثم سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكذلك الدكتورة ناجية فهمي، مدير وحدة أمراض العضلات والأعصاب، على تعبها معانا، فعلًا أنا مبسوطة فوق الوصف، كنت مستنية اليوم ده من زمان".
جميع العاملين بمركز ضمور العضلات يحملون نفس مشاعر الأم، حيث تتزايد سعادتهم طرديًا مع حصول كل طفل على العلاج الجيني، وهو عبارة عن حقنة يتجاوز ثمنها 2.2 مليون دولار، ما يعادل 35 مليون جنيه.
وبعد حصول الطفل أحمد على الحقنة، عاد والده أشرف سعيد، ليكشف لنا عن الصعاب التي مرها بها، حتى وصل إلى هذه اللحظة: "أجريت التحليل الجيني لطفلي، ثم تواصلت مع الدكتورة ناجية، للدخول في اللوتري الخاص بالشركة، داعيًا المولى عز وجل أن يكون ابني ضمن الأطفال الذين سيقع الاختيار عليهم، لكن الحمد لله، بدل ما الخير كان هيعم علينا بس، الخير هيعم على الكل بعد مبادرة الرئيس السيسي، الذي استجاب لمناشدتنا واستغاثتنا وكانت استجابته أسرع مما كنا نتخيل".
وعن بداية معرفته بالمبادرة، قال سعيد: "وقت الإعلان عن المبادرة في 30 يونيو الماضي، كنت في طريقي للقاهرة من كفر الشيخ، علشان أروح وزارة التضامن الاجتماعي وأفتح حساب للتبرع لابني، زي ما عمل والد الطفل رشيد، ولما وصلت لمحطة رمسيس، فتحت تليفوني، لقيت فيديو لسيادة الرئيس بيعلن فيه عن المبادرة، فرحت جدًا ونزلت من القطر في رمسيس ورجعت تاني لزوجتي، عشان أبشرها بالخبر ده".
وبعد الاطئمنان على حالة أحمد، بدأ العاملون في تحضير الطفل مينا للحقن، بعد تجربة مريرة عاشها والده شريف سمير وزوجته، حيث فقدا طفلتهما الأولى، بسبب هذا المرض.
"بداية حياة جديدة لمينا"، هكذا أعرب شريف عن سعادته بحصول طفله على العلاج، مضيفًا: "لو قلت إننا عايشين في حلم، محدش هيصدقني، النهاردة ابني اتولد من أول وجديد".
وعندما تذكر والد مينا ما حدث قبل 5 أعوام لطفلته مريم، التي رحلت عن عالمنا في عمر 3 سنوات ونصف، اعتلى الحزن ملامحه وكاد أن يبكي: "عرفنا بعد سنة من ولادتها إنها مصابة بضمور العضلات، وقتها مكنش في علاج للمرض، سوى بعض المقويات، فعشنا رحلة علاج صعبة لحد ما ماتت بين أيدينا".
وبعد ذلك، التفت شريف إلى طفله مينا -صاحب الثمانية أشهر- وهو في حضن أمه وتكسو عينيه دموع الفرحة، قائلًا: "بعدها أنجبنا مينا، وبعد ولادته بشهرين، لاحظنا قلة حركته، ولخبرتنا بتجربة مريم، اشتبهنا أنه مريض بضمور العضلات الشوكي من النوع الأول، وتابعنا مع الأطباء، لحد ما بلغتنا الدكتورة ناجية إن في علاج تم اكتشافه أخيرًا، وقدمت لنا في اللوتري، وبعدها فوجئنا يوم 30 يونيو بهدية الرئيس السيسي بعلاج أطفالنا مجانًا".
"مكنتش مصدق اللي باسمعه"، بهذه الكلمات عبر شريف عن شعوره عند سماع حديث الرئيس عن المبادرة: "كانت حاجة مستحيلة، خاصة إن تكلفة علاج كبيرة جدًا، وموضوع التبرعات أمر بعيد ومتعب للناس وفيه شيء من الأنانية، لأن كل شخص بيفكر في علاج ابنه بس".
وأثناء احتضان الأم لطفلها مينا، لتهدئته من آثار الحقنة، قالت: "أصعب شيء إننا كنا نعرف إن المرض ده نهايته الموت، وبعد مريم كنا قلقانين على مينا جدًا، بس لما الرئيس السيسي أعلن عن المبادرة، الأمل رجعلنا من تاني".
لم تنتهِ رحلة مينا مع العلاج بحصوله على الحقنة، حيث أشارت الأم إلى أن الأطباء أبلغوها بضرورة المتابعة مع مركز ضمور العضلات لمدة 3 أشهر، لمراقبة تطورات حالته الصحية.
وفي نهاية حديثها، وجهت والدة مينا رسالة إلى أمهات الأطفال المصابين بضمور العضلات: "التجربة صعبة، ربنا معاهم ويشفي ولادهم".
انتهت في ذلك الوقت الدكتورة ناجية من عملها، لتبدأ الحديث عن رحلتها في مواجهة المرض، حيث ذكرت أنه قبل طرح المبادرة، أطلقت الشركة المنتجة للعقار الاختيار العشوائي (اللوتري) للبلاد غير المسجل فيها العلاج الجيني، ومنها مصر، لاختيار 100 طفل على مستوى العالم سنويًا، مضيفةً أن جامعة عين شمس تقدمت بـ8 أطفال، فاز منهم 4 أطفال للحقن خلال الثمانية عشر شهرًا الماضية، وتم استبعاد واحدًا منهم، لأنه كان يحتاج لأجهزة التنفسي أكثر من 16 ساعة في اليوم.
ولفتت مدير وحدة أمراض العضلات إلى أن طفل يدعى "ريان"، هو أول حالة تحقن في مصر، وكان ذلك في مارس الماضي، مؤكدةً أن بعد 4 أشهر من حصوله على العلاج، صار قادرًا على تحريك ذراعيه وقدميه.
وأكدت ناجية أن ضمور العضلات هو أول مرض يظهر له علاج جيني، بنقل الجين السليم عن طريق فيروس، مشيرةً إلى أن الحقنة تم توفيرها فقط للأطفال الأقل من العامين، البالغ عددهم 250 طفل.
أما عن المرضى فوق العامين وعددهم 270 طفل، أوضحت أن هناك شركتين تنتج أدوية معدلة جينية تتفاوض وزارة الصحة والسكان معهما، لتوفير علاجات أخرى لهم، أقل تكلفة من العلاج الجيني، لأنها تؤخذ باستمرار.
وهناك علامات يمكن للأم أن تستدل منها على إصابة طفلها بضمور العضلات، مثل الارتخاء العضلي وصعوبة الحركة ورعشة اللسان أحيانًا، بحسب الدكتور كريم عمران، المدرس المساعد للمخ والأعصاب بكلية طب جامعة عين شمس.
وحدد عمران الشروط التي يجب توافرها لاختيار الطفل للحقن بالعلاج الجيني، وتشمل:
- تشخيص الإصابة بضمور العضلات الشوكي، سواء إكلينكيًا أو بالتحليل الجيني.
- أن يكون سن المصاب أقل من عامين.
- ألا يحمل الطفل أجسامًا مضادة للفيروس المحمل عليه الجين.
- عدم وجود أي إصابة أو عدوى أو التهاب.
وكشف المدرس المساعد للمخ والأعصاب عن الحالات التي يمنع فيها الحصول على حقنة ضمور العضلات، وهي:
- ضعف عضلات الصدر.
- صعوبة التنفس.
- الإصابة بالعدوى أو الالتهاب الرئوي الحاد، حيث يجب أن يتعافي الطفل أولًا ويتوقف عن تناول المضادات الحيوية لمدة 14 يومًا قبل الحقن.
ولم ينفِ عمران أن للحقنة آثار جانبية، مشيرًا إلى أنه تم إبلاغهم بالمشكلات المحتمل أن يصاب بها الطفل بعد الحصول على العلاج الجيني، وأبرزها:
- ارتفاع إنزيمات الكبد.
- نقص الصفائح الدموية.
واختتم الطبيب حديثه بتوضيح المراحل التي يمر بها العلاج الجيني حتى يحقن في جسم الطفل:
- استلام الدواء من الشركة المنتجة، عن طريق شحنة دولية.
- حفظ الدواء في ثلاجات مخصصة على درجة حرارة تتراوح بين 2 و8 درجة مئوية لمدة 24 ساعة الأقل.
- فحص العلاج من قبل أخصائيين واستشاريين صيدلة إكلنيكية ومندوب من الشركة ومندوب من وزارة الصحة، للتأكد من عدم وجود أي مشكلة في الدواء أو تخزينه.
- قياس وزن الطفل، لتحديد جرعة الدواء التي يحتاجها والتأكد من أنه بصحة جيدة وعدم وجود أي موانع لديه من الحصول عليها.
- تستغرق عملية حقن الدواء مدة قد تزيد عن 60 دقيقة، باستخدام مضخة وريدية.
- يظل الطفل تحت الملاحظة بعد الحقن لمدة 24 ساعة.
- إبلاغ أهل الطفل بضرورة التواصل مع المركز في حالة حدوث أي تطورات.
فيديو قد يعجبك: