«الكونسلتو» يرصد لحظات الخوف والأمل في مواجهة كورونا داخل مستشفى العزل
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
-
عرض 8 صورة
كتب - أحمد سعد:
تصوير - عمر هشام:
منذ عام تقريبًا بدأت مستشفيات العزل في عملها لمواجهة وباء كورونا، إجراءت مشددة تحظر دخول أي شخص باستثناء المرضى والأطقم الطبية والعاملين، لا أحد يعرف ما يحدث بالداخل، فلا نسمع إلا عن بطولات للفرق الطبية، وحكايات مرضى يتعافوا وآخرين يغادرون الحياة.
رهبة الدخول تجعلك تفكر شيئًا قبل اتخاذ قرار تجاوز السور الحديدي لمستشفى هليوبوليس للعزل، «الكونسلتو» خاض رحلة بداخل المستشفى، لرصد حرب الوباء من الداخل، فما بين أطقم طبية تواجه فيروس كورونا ومرضى يقاومون لاستكمال الحياة كانت تجربتنا هناك، كشفت مغامرتنا كل ما يحدث بالداخل من بطولات وتضحيات ولحظات صعبة عاشها جميع من بالعزل.
فور دخولنا كان في استقبالنا الفريق الطبي يرتدي بدل العزل البيضاء، وجهنا الدكتور أحمد منصور مدير عزل هليوبليس، لارتداء بدل العزل، عقبها رصدنا مراحل دخول مريض كورونا للعزل حيث يقوم المسعف بتسجيل بيانات المريض والبدء في إعداد ملف طبي له، وبعدها توجهنا لغرفة الفحص حيث يوجد بها سرير يستريح عليه المريض لفحصه طبيا وقياس العلامات الحيوية من ضغط ونبض ونسبة الأكسجين، ومعدل التنفس، وبعدها يتم تحديد توزيع المريض سواء على غرفة إقامة عادية أو رعاية مركزة حسب شدة حالته.
اخترنا بعد ذلك أن نذهب للمكان الأكثر خطورة في المستشفى، وهو قسم الرعايات الحرجة، عقب ذلك توجهنا في المصعد حيث اخترت أن تكون المنطقة الأكثر خطورة في المستشفى لنقل ما فيها، بمجرد وصولنا لا يتوقف أطباء الرعاية والممرضين عن المرور بين غرف المصابين الكل يحاول إنقاذ حياة المرضى، والجميع موضع على أجهزة التنفس الصناعي يتلقون جلساته كأمل أخير للحياة.
وأرجع الطبيب عمرو شهاب أخصائي الرعاية ذلك إلى أن معظم الحالات التي تدخل المستشفى في الموجة الثانية تحتاج رعاية مركزة، وذلك لسرعة انتشار الفيروس وتأخر حضور المريض ومعظم المرضى تأتي بعد اليوم العاشر أو الحادي عشر من ظهور الأعراض، وبالتالي تكون إصابته اعنف.
في الغرفة الأولى ترقد هالة صلاح، 61 عامًا، تتلقى جلسات الأكسجين لكن ابتسامتها لا تغادرها أبدًا، رحبت بنا فور الدخول وقالت إنها شعرت بالتعب في المنزل، وأعراض فقد حاستي الشم والتذوق ومن ثم تناولت عدد من الأدوية بلا فائدة وبعدها تم نقلها إلى عزل مستشفى هليوبولس.
وتشير إلى أنها تمكث في الرعاية 5 أيام تقضيها مع التمريض والحصول على الخدمة الطبية و لا تتحرك من سريرها إلا للذهاب للحمام ويهون من وحدتها ما يفعله الأطباء والتمريض معها قائلة: ربنا يكرمهم هم بالفعل ملائكة الرحمة، فعلا ولا يناموا لخدمتنا".
وتقول السيدة الستينية، "إن التجربة كانت صعبة عليها والحمد لله حالتي أفضل حاليًا بفضل الله أولا والفرق الطبية في المستشفى".
وعلق الطبيب عمرو شهاب، الطبيب المعالج، لها على حالتها قائلاً: "إن الأكسجين الخاص بالمريضة عند دخولها المستشفى كان أقل من 85% في حين أن المتوسط 92%، وحاليا وصلنا الى 100% وهي تعد حالة متوسطة، ولو لا قدر الله حدث أي تطور توضع على جهاز تنفس صناعي".
عمل الطبيب خلال الموجتين الأولى والثانية جعله يلاحظ اختلافًا بينهما: "أعراض الفيروس في الموجة الثانية أشد من الموجة الأولى، لأن انتشار الفيروس أكثر، ففي الموجة الأولى الحالات أقل حدة الأعراض بسيطة لكن في الموجة الثانية حدة المرض أكبر ومعظم الحالات لديها نقص في الاكسجين ومعدل حالات الرعايات أعلى بكثير من الموجة الأولى، وتقريبًا معظم الضغط في المستشفى على الرعايات، وفي الموجة الاولى كانت إصابات الرئة عبارة عن بقع بسيطة، لكن الآن الأشعة تظهر إصابات الرئة بنسبة 70%.
في غرفة مجاورة على أنغام الأغاني الصباحية يحاول ساويرس وليم ساويرس، أن يهزم المرض، بأغاني الراديو، الصغير الذي يضعه أمامه، يضايقه بعض الشئ صوت جلسات الأكسجين التي يتلقاها بأغاني، فيقول: "العزل مؤلم والوقت لا يمر، أحاول أن اقضي وقتي بسماع أغاني أم كلثوم والماتشات وقراءة الصحف حتى ينقضي اليوم".
لا يخلو حديثه من التفاؤل بالتعافي فيروي بداية إصابته ويقول، إن بداية إصابته حين كان يمارس في عمله بمصنع ملابسه بالزيتون، وحضر إليه عدد من التجار للحديث في العمل، فعطس أحدهم في وجهه، وقبل أن يغادر لمنزله شعر بصداع رهيب واستدعي على أثره الطبيب وإعطائه بعض الأدوية وبعدها ارتفعت الحرارة إلى 39 ونصف، وحدث له ضيق تنفس، وحضر الطبيب من 8 مساء إلى 2 بالليل وأحضر ابنائه له أنبوبة أكسجين وبعدها طلب الطبيب نقله إلى مستشفى عزل.
ووجه رسالة للمواطنين: "لا تختلطوا باي أحد ولا تستهتروا بالأمر فهو خطير، وليس قليل ففي منطقتي المطرية والزيتون الناس تتعامل بحرية دون التزام بالكمامة على الرغم من انه فيروس خطير وغلطتي أن الراجل الزبون دخل عليا في مصنعي ولم أكن ارتدي الكمامة وعطس في وجهي فأصبت فورًا.
لكن بجوار الغرفتين السابقتين كان هناك حالة طوارئ يجري الجميع لإنقاذ مريض بوضعه على جهاز التنفس الصناعي قبل أن يفقد حياته واعتبرها الطبيب عمرو شهاب، اللحظات الأكثر صعوبة: القرار لا يكون سهلاً مطلقاً على الطبيب، لا بد أن أشرح للمريض إذا كان واعياً، لأن ذلك أصعب ما تؤديه في غرفة الرعاية وهو اتخاذ قرار وضع المريض على جهاز التنفس الصناعي النافذ.
لكن لماذا يعد قرار الوضع على جهاز التنفس الصناعي النافذ القرار الأصعب للطبيب؟ يفسر أخصائي الرعاية أن الوضع على هذا الجهاز يعني تقلص فرصة المريض في الحياة قليلة فلا يستطيع التنفس أو قبول جلسات الأكسجين، فنعطي المرضى فرصتهم للإنقاذ حتى النهاية سواء بالأدوية أو بالمجهود الطبي، أو جهاز التنفس الصناعي.
وقال: "أحيانا تجد مريض يتحدث إليك جيداً ونسبة الأكسجين لديه 30% أو 40% ومع ذلك يتحدث إلينا وهذا أمر مثير للدهشة، فالمريض لا يشعر بهذا النقص الحاد، لم نر ذلك من قبل، فقبل وباء كورونا لو نقص الاكسجين عن 90% كان يشعر المريض بضيق نفس".
اكسبه عمله خبرة في تشخيص إصابته بكورونا فور شعور بالأعراض وهو ما خفف عليه حدة المرض فيقول: أصبت بالفيروس مرة في 25 نوفمبر الماضي، عرفت أنها أعراض كورونا فور ظهورها، فساهم ذلك في العلاج مبكرا وعزلت نفسي في المستشفى وتعافيت بعد 10 أيام، وبُعدي عن أسرتي ضريبة ندفعها، فلدي 4 أطفال أكبرهم 7 سنوات وأصغرهم عمرها شهر لم أراها سوى مرة واحدة وجئت للعزل، فلو كل طبيب أصابه القلق لن يعمل أحد في العزل، ودورنا الوقوف بجوار المرضى.
لكن جنود أخرين في العزل هم أكثر قربًا للمريض يخففون آلامه يعتبرون أنفسهم أسرة المريض، حتى لا يهزمه المرض، فتؤمن أسماء محمود سيد، رئيس قسم تمريض الرعاية بمستشفى عزل هليوبوليس، بأن توفير الراحة النفسية للمرضى خاصة الحالات الحرجة في الرعايات التي تشرف على التمريض بها تعد سببًا كبيرًا في تعافي هذه الحالات.
بابتسامة قابلتنا فور خروجها من غرفة الرعاية لإحدى المريضات قائلة: "أحاول توفير الراحة النفسية للمريض، والأمان لهم بالإضافة إلى الخدمة الطبية، فنقوم مع فريقي من التمريض بعمل دعم نفسي للمريض، لأنه يساعده بشكل كبير على التعافي، ونحاول تعويضه غياب أهله، فالمريض يشعر أننا مثل أولاده وأخوته خاصةً أنهم يقيمون لفترات في مكان مغلق لا يتحركون منه، ويعد ذلك أول خطوة لتقبل المرض والعلاج".
وتوضح أن ارتداء بدل العزل لفترات طويلة عملية صعبة جدًا، فهي مؤلمة لكن تعودت عليها، والأعراض في الموجة الثانية أشد والاستجابة ابطأ والمريض يخاف الذهاب للمستشفى، فيأتي بعد تدهور حالته مضطرًا.
بجوارها كانت أميرة الهادي محمد، ممرضة بالرعاية بمستشفى عزل هليوبليس، تجهز أدوية المرضى تمهيدًا لإعطاءها لهم، قبل دخولها للغرف، قالت إنها تترك أطفالها الأربعة أكبرهما 7 سنوات وأصغرهما طفلة لا تتجاوز العامين، مع زوجها طوال فترة تواجدها بالعزل لمدة 14 يومًا، ربما تحدثه مرة للاطمئنان عليهم بعد انتهاء عملها وتعود لتقوم على خدمة مرضى كورونا، وهو من يقوم بالاهتمام بهم وتربيتهم ويرعاهم، وهذا الأمر صعب جدًا عليه خاصةً رعاية طفلتي الصغيرة، لكن الشغل في وقت الوباء أهم من أي شيء.
اعتادت أميرة كل صباح المرور على جميع المرضى: "كل يوم أمر على جميع المرضى في الصباح واجمع طلباتهم مثل السوائل الدافئة التي يحبون تناولها، وأي طلب يطلبه المريض لا بد من تلبيته، ونقوم بتجهير الأكسجين والأدوية وعلب التحاليل، وعملي يستمر 12 ساعة متواصلة.
لكن الأمر يزداد تعقيدًا حين يتعرض مريض لمضاعفات فتقول: "في حالة إنقاذ حالة طارئة لا بد من ارتداء الملابس الوقائية كاملة ونستدعي الطبيب ونرى ما يحتاجه المريض بناءً على تعليمات الطبيب".
ويقول الدكتور مايكل شريف نائب مدير مستشفى هليوبوليس للعزل، إن شباب الأطباء في الصف الأول من المواجهة للوباء سواء اطباء رعاية أو باطنة أو صدر وكل من داخل العزل هم الشباب، مؤكداً أن الموجة الثانية الفيروس أكثر شراسة ونسبة الوفيات أعلى في الموجة الثانية.
يضيف "أهلنا متفهمين لوجودنا في العزل ولا يوجد طبيب يعرض أهله للخطر، ولذلك يتخذ إجراءاته الاحترازية، حتى لا يُقصر في حق أهله، ولدي طفل اسمه يوسف عامين ومع دخولي المنزل اضع ملابسي في الغسالة بطريقة معينة والاستحمام وبعدها اتعامل مع ابني مرتديا ماسك.
فيديو قد يعجبك: